منذ ما سمي ب”الربيع العربي” والمغرب يعيش على إيقاع تخبط حكومي صارخ وأزمات متوالية، فضلا عما يشهده الحقل السياسي من بؤس وعبث وانتهازية، ومع ذلك مازال هناك عدد من المتعاطفين مع حزب “العدالة والتنمية” ذي التوجه الإسلامي، الذي يقود الحكومة لولايتين متتابعتين، يحاولون إيجاد مسوغات لفشله ويصرون على أنه ليس وحده مسؤولا عن كل ما بات يستشعره المغاربة من إحباط، تفشى بينهم بشكل أفظع من انتشار جائحة “كوفيد -19″، رافضين أن تظل سهام الانتقاد موجهة له دون بقية الأحزاب التي تتقاسم معه الحكم، سواء في الولاية الأولى بقيادة عبد الإله ابن كيران أمينه العام السابق أو الولاية الثانية برئاسة خلفه سعد الدين العثماني.
ونحن هنا لا تهمنا تلك الفئة التي تربطها بحزب “المصباح ” علاقة “إحسانية”، من الملتزمين بمنح أصواتهم لمرشحيه في جميع الاستحقاقات الانتخابية، معتقدين أن التصويت لفائدتهم واجب شرعي لا يجب إهماله، بل نقصد أولئك الذين لا يكفون عن مؤاخذة منتقدي أعضاءه من المنتخبين والوزراء كتابة أو شفهيا، حيث يرونهم مجرد ضحايا للحاقدين والمتآمرين والخصوم السياسيين، وأنه من الإجحاف التمادي في تبخيس أعمالهم وتحوير تصريحاتهم، مشددين على أن الموضوعية تقتضي أن يطال الانتقاد جميع مدبري الشأن العام من مختلف الهيئات السياسية بدون أدنى تمييز، ويزعمون في ذات الوقت أنه ليس هناك من بديل للبيجيدي على المديين القريب والمتوسط.
وبما أننا من دعاة الديموقراطية والمناوئين لمختلف أساليب القمع وتكميم الأفواه، فإننا نؤمن بتلك المقولة الشهيرة للفيلسوف والأديب الفرنسي الكبير فولتير: “قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك”. وبناء عليه، نرى أن الاختلاف شيء محمود وأنه من الممكن أن نختلف مثلا في الأديان كما في الأفكار وفي أنماط العيش وفي المواهب واللهجات وغيرها، إلا أنه لا يحق لنا أن نتغافل أن الرابط الإنساني الذي يجمعنا أكبر وأعمق من ذلك كله. مما يحتم علينا أن نجعل من الاختلاف جسرا للتكامل والتواصل والسهر على بناء المستقبل، وليس وسيلة للتنافر والتناحر، فنحن خلقنا لأغراض سامية من أجل التآخي وإشاعة قيم الخير والتسامح عوض الكره والتباغض. ترى لماذا أصبح معظم المغاربة يحملون البيجيدي وحده دون غيره مسؤولية سوء التدبير وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ؟
فمن جانبنا نتفهم شعور المغاربة بالخذلان وتحميلهم مسؤولية الفشل في تدبير الشأن العام للبيجيدي، ليس فقط لأنه حزب ذو مرجعية إسلامية ويتولى رئاسة الحكومة منذ عقد من الزمن ويتوفر على أغلبية برلمانية، وإنما كذلك لكونه جاء إلى الحكم يحمل وعودا بتحسين أحوال الناس والقضاء على الفساد والاستبداد، دون أن يكون قادرا على الوفاء بتعهداته. إذ على أساس برنامجه الانتخابي وخطابه الديني راهن الكثيرون على أن يكون الأكثر حزما وصرامة في قيادة الحكومة، ويشكل فرصة ذهبية في رفع التحديات وإنقاذ البلاد والعباد من قيود المديونية والبؤس والفقر والأمية والبطالة والتخلف والتهميش… وكان طبيعيا أن يحتل بفضل أصواتهم نتائج مبهرة في الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية، أهلته لتولي رئاسة الحكومة في مناسبتين متتابعتين والهيمنة على مجالس المدن الكبرى… وما كان لذلك أن يتأتى له لولا استيلاءه على شعارات “حركة 20 فبراير” وإشهاره أهدافا كبرى، من بينها توفير الحرية والكرامة والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية إلى جانب عديد المعطيات والأرقام والاقتراحات التي تبث الأمل في النفوس، علاوة على التزامه بتفعيل مقتضيات الدستور وخاصة ما يتعلق بالحكامة الجيدة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة. وتيسير سبل الانتقال الديموقراطي ومواصلة بناء المؤسسات ومجتمع متماسك واقتصاد قوي وتنافسي منتج يضمن تنمية مستدامة وفرص الشغل للعاطلين والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد والريع وتجديد نظام القيم وتخليق الحياة العامة واحترام حقوق الإنسان… فأين نحن اليوم من كل تلك الشعارات البراقة والوعود الحالمة؟
إنه من حق أي كان الإدلاء برأيه وأن ينسب إلى من يشاء ما تعيشه البلاد من عبث سياسي وأزمات اقتصادية واجتماعية، بيد أن ما لا يمكن استساغته ولا نجد له مبررا هو انزعاج البعض من انتقادات الجماهير الشعبية الموجهة للبيجيدي عبر مختلف وسائل الإعلام وعلى منصات التواصل الاجتماعي، التي تحمله مسؤولية تردي الأوضاع وتنامي الاحتجاجات، إذ لعب دورا أساسيا في سن سياسات التفقير والتجويع، بضرب قدرتها الشرائية والإجهاز على أهم مكتسباتها من إضراب وتقاعد ووظيفة عمومية…
إننا لسنا ضد تحسن أحوال المسؤولين ببلادنا مهما كانت انتماءاتهم السياسية، لكننا نرفض ازدواجية الخطاب والسلوك الانتهازي لدى قيادات الحزب الحاكم، التي تبدو الأكثر جشعا واستفزازا للمشاعر وإنتاجا للفضائح والتجاوزات، مقابل التلكؤ والتهرب من تفعيل مقتضيات الدستور وتنزيل مجموعة من القوانين، التي من شأنها الإسهام في تطهير المجتمع والحيلولة دون المزيد من استنزاف خيرات البلاد والعباد والحماية من الفساد المتعدد الوجوه، وفي مقدمتها قانون اٌلإثراء غير المشروع. فأين نحن من القطع مع مختلف أشكال الريع وتوزيع المأذونيات والامتيازات على المقربين مازال مستمرا، ناهيكم عن تواصل استغلال المعادن والمقالع والصيد في أعالي البحار والإعفاءات الضريبية ومعاشات الوزراء والبرلمانيين وتعدد التعويضات وغيرها؟ وأين نحن أيضا من استرجاع الأموال المنهوبة واستثمارها في التنمية ومحاربة الفقر والهشاشة وتشغيل العاطلين وإصلاح منظومتي التعليم والصحة؟
اسماعيل الحلوتي