استشراف آفاق الحوار الإسلامي العالمي في ظل تحديات المستقبل 1

استشراف آفاق الحوار الإسلامي العالمي في ظل تحديات المستقبل 1

- ‎فيرأي
602
0

مريم آيت أحمد

*د مريم آيت أحمد

نحن إذا ركزنا النظر على الانتماء الحضاري، فنجد أن “الآخر” بالنسبة للمنتمي للحضارة الإسلامية هو المنتمي لواحدة من الحضارات الأخرى في العالم. فهناك اليوم ثمان دوائر حضارية يمكن التمييز بينها تكشفها النظرة المحيطة، وتسود في كل منها حضارة غالبة لها خصائصها. فهناك الغربية بفرعيها الأوروبية والأمريكي الشمالي، والحضارة الأمريكية الجنوبية التي جاءت ثمرة تفاعل حضارة المستعمرين المستوطنين الغربية القادمين من شبه جزيرة أيبريا مع حضارة سكان البلاد الأصليين مع الحضارة الإفريقية المتأثرة بالحضارة الإسلامية. ونحن مع الرأي الذي يميزها عن الحضارة الغربية. وهناك الحضارة الصينية والكونفوشيوسية، والحضارة اليابانية في أقصى الشرق في آسيا، والحضارة الهندوكية في الهند، وهناك الحضارة الأرثوذكسية السلافية في روسيا وأوروبا الشرقية الجنوبية. وهناك الحضارة الإفريقية السائدة في جنوب الصحراء في قارة إفريقيا، والحضارة الإسلامية بفروعها في آسيا وإفريقيا. 26
وهنا يحق السؤال عن مدى ارتباط الآخر بالغرب علما بأن مفهوم الآخر لا يقصد به إسلاميا إطارا جغرافيا معينا وإنما مجموعة القيم والمبادئ الأساسية لشعوب العالم ؟؟ هل من الخطأ اعتبار الآخر هو الغرب فقط وإخراج الجنوب والشرق من دائرة اهتمامنا ؟ ألا تعتبر العلاقات التواصل مع العوالم غير الغربية مشروع لرؤية إستراتيجية في مواجهة تحدي الضغوط الغربية؟ وإذا ركزنا على الغرب بفعل العوامل التاريخية التي ربطتنا فهل الغرب عالم واحد أم عوالم مختلفة؟ هل الغرب كاثوليكي/ علماني/ لائكي/ صهيو مسيحي ؟ وكلها تمايزات لمنظومات عقدية فكرية غربية؟
إن الاختلال الرهيب في موازين القوى الذي يعاني منه النظام الدولي الحالي هو ما يترك انعكاسًا على الحوار مع الآخر، وخاصة الحوار بين العالم الغربي والعالم الإسلامي؛ فالحوار بين العالم الآسيوي والعالم الغربي على سبيل المثال أكثر اتزانًا وتفاعلا واتساقا من الحوار بينه والعالم الإسلامي، حيث إن موازين القوى تتفاوت تفاوتًا كبيرًا عندما يتعلق الأمر بالعالم العربي والإسلامي.فلماذا لا نترك الحوار مع العالم الغربي ونتوجه إلى ضفة العالم الآسيوي الذي يتشارك معنا في الكثير من القيم والمبادئ الأخلاقية لماذا تركنا خطوة التعامل وفتح العلاقات مع هذه الحضارات والثقافات خطوة ثانية في برامج موائدنا الحوارية؟؟
المعرفة أساس العلاقة مع الآخر
إن تمييز المعرفة في الميادين السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية أمر لا يمكن أن تقوم به مجتمعات غريبة عن البيئة المطلوب التعرف إليها. وواقع المجتمع الإسلامي بتاريخه وجغرافيته الراهنة لا يجدر أن يكون مجالا مكشوفا لمصالح الآخر الاقتصادية, أو ساحة لتحقيق انتصاراته السياسية, وانتهاك حرمات مجتمعاته, مما يولد الصراع بين أفراده ويسبب المجازر الدموية على ترابه .
والمعرفة بأبعادها المختلفة تحتاج إلى مشروع حضاري إسلامي قادر على إيصال مفاهيمها وأخلاقياتها إلى الآخر، ولاشك أن غياب آلية للحوار مع الآخر غيبت المعرفة الصحيحة بالجانب الحضاري للمجتمع الإسلامي بماضيه وحاضره, وأعاقت المصالحة مع مستقبل العلاقة معه, واستبدلتها بمنطق الاحتواء والإملاء مما عمق الفجوة بين الإسلام والغرب وساعد على تطرف مزدوج معه أصبح اللقاء أكثر صعوبة . وفي غياب التأثير السياسي للفكر الإسلامي على اتخاذ القرار هيمنت على المجتمعات الإسلامية حالة من النكوص والتراجع والتدمر وشرذمت أفكار المرجعيات, وساعدت على استبداد الإمبراطورية الغربية بطاقتها العسكرية والسياسية التي وظفتها ثقافيا بنظريات الصدام وسوقتها عالميا, لإبادة طاقات المجتمع الإسلامي وإمكاناته الثقافية وعزله عن المشاركة والمساهمة في الإنتاج الحضاري .
إن الإسهام المعرفي الذي نجده في البلاد الإسلامية اليوم هو لا شك حافز سردي, نحو تراتبية فكرية تساند المجتمعات ثقافيا, ولكنها لا تستطيع أن تفعلها سياسيا بدون تحقيق قدر كاف من العلاقة الداخلية بين السلطة ورجال الفكر, مما يوحد ويقوي ويساند منطق الحوار في الداخل قبل التوجه نحو المجتمعات الخارجية .
الأهداف من العلاقة مع الآخر في رؤية المشروع النهضوي الإسلامي
عندما نتحدث عن العلاقة مع الآخر لا نعتقد أن للبعد الجغرافي دورا في تخطيط العلاقات إلا من خلال ما يمثله الإنسان في هذا الموقع الجغرافي من مبادئ وأفكار وقيم ومصالح ومخاوف،لذلك عندما ندرس العلاقة مع الآخر نلاحظ أن التطورات الإنسانية في جميع الجوانب جعلت كثيرا من الشرقيين غربيين ،ودفعت كثيرا من الغربيين إلى فهم الواقع الإسلامي وحثت كلا الطرفين على التداخل في الثقافات والأوضاع السياسية والاقتصادية ،فالغرب زحف إلى الشرق ونهل من علومه في الأندلس وكان الاستشراق يمثل مدرسة تنفتح على كل ما في الشرق من علوم وثقافات وأوضاع وسياسات ،كما أن الشرق أقبل على الغرب وبدأ يتعلم في جامعاته ومؤسساته فكما في الغرب مستشرقون هناك في الشرق متغربون .
وهنا لابد للإشارة إلى أن الغرب ليس واحدا فالاتجاهات الفكرية الغربية اتجاهات متعددة ومتنوعة لا يمكن أن تصنف في قالب واحد باعتبار أنها تتطور بتطور الثقافات التي تفرض نفسها على الأوساط الثقافية المجتمعية و المؤسسية والجامعية، وهذا الأمر يتجسد في الأطروحات والعناوين الفكرية مثل نهاية التاريخ وصدام الحضارات وغيرها وهي عناوين وأطروحات متفاوتة متباينة ، مما يؤكد أن الغرب ليس كثلة واحدة يمكن الإشارة إليها كمنظومة ثقافية محددة الأصول في مقابل الإسلام ، كما أن الاجتهاد الإسلامي ليس واحدا في فهم أبعاد هذه العلاقة مع الآخر .
ومن هذا المنطلق ينبغي للمشروع الحضاري الإسلامي أن يحدد رؤيته في مستقبل العلاقات بين الإسلام والغرب ولا نقصد بالغرب السياسة الأمريكية أو المواقف الأوروبية المشحونة ضد الإسلام وحضارته وإنما بتفعيل العلاقة ومد جسور التعاون والتواصل مع الأصوات الأوروبية العاقلة التي هي أقرب جغرافيا ومعرفة بقضايانا ومصالحنا المشتركة وذلك بأن يفتح لها المجال لتأخذ مكانها في خضم المناقشات الجارية حول حوار الحضارات والثقافات والأديان في عالمنا الإسلامي , وأن يتجاوب معها في حملتها ضد فكرة الصدام الحضاري التي كانت شكلا من أشكال التنظير لاتجاه أمني جديد في العالم الغربي سوق بترويجه لعقلية المؤامرة صورة نمطية قاتمة لعلاقة الغرب المستقبلية بالحضارة الإسلامية,فكانت نظرية استئصال وإلغاء واستعلاء أكثر من كونها بحثا في العلاقات بين الحضارات والثقافات.
أبعاد التواصل مع الآخر في المشروع النهضوي الإسلامي
مهما اختلقت مهما اختلفت التعاريف, وتباينت الآراء في فصل ما هو ثقافي عن ما هو حضاري عند تناول العلاقة مع الغرب.. فإن حقيقة تهيمن على قضية الارتباط بالآخر وذلك أن مفهوم التفوق العلمي وما قاد إليه من سيطرة عسكرية أفرز نتاجا من التسلط الثقافي, معه يبدو المشهد العالمي في ارتباك فكري, مجسدا لهيمنة تفرض شروط مرحلة لابد من التعامل معها, برغم ما يرتبط بها من متغيرات صعبة.وتواجه الأمة الإسلامية اليوم مشكلة اختيار منهج ملائم للتعامل مع الآخر, وذلك باعتبارات العلاقة الإنسانية من جانب, وما تتعرض له الأمة من تدخل غربي من جانب آخر .
ومع ماتتبناه الحداثة اليوم في الفكر العربي المعاصر ،فإن استشرافا مبنيا على الأسس العلمية مطلوب لتجاوز الخوض في ضرورات التفاعل والتعامل مع الآخر ،وتطبيق منطق التعارف والدعوة والانفتاح وفق رؤية إسلامية تخطط للمستقبل بقدر ما تستوعب الماضي وتجيد التعامل مع متغيرات الحاضر .على ان تتجاوز الرؤية حدود فضاءات الأفراد والنخب لتشمل مؤسسات رسمية مختصة وغير مختصة ،توحي كلها على اختلاف الرؤى والمنطلقات بانفتاح الفكر على عناصر الحركة العامة في عالمنا المعاصر
 يتبع


*أستاذة التعليم العالي
رئيسة مركز إنماء للأبحاث والدراسات المستقبلية

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت