موقعة “إگالْفْنْ”: أحداث تاريخية من وحي الذاكرة الشعبية.

موقعة “إگالْفْنْ”: أحداث تاريخية من وحي الذاكرة الشعبية.

- ‎فيرأي, في الواجهة
371
6

*حسن إدوعزيز

أسيف نْ تْغانيمينْ، آغْ إيبّي لْمْنْشارْ أَساتُورْ.
(بوادي تيغانيمين، قطع المنشار جذع شجرةٍ)
نْغانْ إِكْضاضْ لْبازْ، أُورْ سولْ كْسوضْنْ ياتْ.
(وقتلت العصافيرُ الصَّقْرَ، ولم تَعُد خائفة من أيّ شيءٍ)
آ يُوسْ نْ حيدة أُورِّيدْ أَنْ تاوِيتْ أَيْتْماكْ.
(آيا ابن حيدة عُدْ لِتأْخُذَ إِخْوَتَكَ)
أَگَايُّو نْ باباكْ.. إِزيكْرْ آغْ أُوكانْ سولْ لّانْ.
(فرأسُ أَبيكَ لازالت في الحبلِ معلَّقَةً)

إنه تخليد بليغ، لإحدى الأحداث التاريخية الهامة، عبر أبيات شعرية من الذاكرة الشعبية. لازالت تتردد ببوادي سوس وعموم الأطلس الصغير. يلقنها الكبار للصغار، جيلا لجيل، بفضاءات “أسايس”، وعبر عموم المناسبات.. مذكرين بأمجاد الأجداد في مواجهة حملات السلطات الفرنسية لإخضاع وتهدئة المنطقة، عبر الخونة المتعاونين، بعد فرض الحماية الفرنسية على المغرب، مطلع القرن الماضي.

فبعد مباغثة قبائل الجنوب للفرنسيين، شمال جبل درن، في موقعة “سيدي بوعثمان” المجيدة سنة 1912، وبعد استشعاره خطر استمرار المقاومة المسلحة ضد سياسة التهدئة بالجنوب المغربي، أعطى المقيم العام الجنرال “ليوطي” أوامره بتجهيز المتعاون “حيدة مويس”، باشا تارودانت، بجميع الامكانيات المتاحة من أسلحة وورجال وعتاد، قصد التوغل بعمق سوس، وداخل حصون الأطلس الصغير، لقطع دابر حركة “الهيبة” والقبائل الملتفة حوله بمعقل “كردوس”.

وبالفعل، مع مطلع يناير 1917، كان باشا تارودانت، القائد “حيدة مويس”، قد وضب أموره، واستجمع قواته بمدينة تيزنيت، لينطلق منها بالتوغل داخل قبائل “أيت برايم” بنفوذ جماعة “بونعمان” الحالية. ولأن الحرب دهاء وخدع، فقد استطاع المقاومون اختراق قوات “مويس”، عبر مخبرين منهم، عارفين بالمسالك والسبل، وضعوا خدماتهم رهن إشارة “مويس”، فمكروا للحرب مكرها، كما يشير المختار السوسي في كتابه “المعسول”. ويوجهوا “مويس” وجيشه، ليُحكِموهُ بين أيدي المجاهدين، في منطقة وعرة، بموضع يدعى “تگاديرت نْ إِگالْفْنْ”، حيث ساموه العلقم يوم الأحد 13 ربيع الأول 1335 الموافق 7 يناير 1917.

ويُضيف “السوسي” في إحدى المراجع الأخرى، بأن قوات “حيدة” تقهقرت بعدما أحكم عليها النطاق، وانهمر عليها الرصاص من كل جهة وحدب.. لتخترق إحدى الرصاصات ذراع القائد “حيدة مويس”، قبل أن ترديه رصاصة ثانية قتيلا. ولتكون ساحة المعركة “بإِگالفن” مقبرة لأزيد من مئتي (200) جندي من الفرنسيين والخونة المتعاونين، بينهم ثلاثين (30) قائدا، ناهيك عما غنمه المجاهدون من عتاد ومدافع وذخيرة ودواب. حيث تؤكد المصادر، بأن رأس “حيدة مويس” قد فُصلت عن جسده، بعد مقتله، ليطاف بها بين القبائل والأسواق، قبل حملها إلى معسكر “كردوس” لتعلق، كما تؤكد الأبيات الشعرية أعلاه، وكما جرت به عادة الانتقام من الأعداء في الهزائم أنذاك.

*أستاذ

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت