وما بين التكميم والتلثم وواقع السياق، معان ودلالات…

وما بين التكميم والتلثم وواقع السياق، معان ودلالات…

- ‎فيرأي
245
0

*حسن إدوعزيز

لا أدري كيف اهتدى دهاقنة لغتنا إلى ترجمة القناع (le masque) الواقي من المرض اللعين بالكمامة، عوض شيء آخر… فالمثير أن معنى الكمامة في اللغة يجانب واقع السياق… فهي من فعل كَممَّ يكمم تكميما، ومكمم، ومُكمَّم. وكمم الأفواه: بمعنى منع الناس من حرية الكلام.. تماما كتكميم فم الحيوان: أي شده بالكمامة. وشخص مكمم الفم، بمعنى ممنوع من الكلام ومن حرية التعبير.

والحال أن ضرورة السياق تقتضي أن نتلثم، عوض أن نتكمم.. فننعت الأداة باللثام أو اللثامة عوض “الكمامة”، وقانا الله ووقاكم… فاللثامة من فعل لثم يلثم تلثيما، فهو ملثم والمفعول ملثم. ولثم بمعنى شد اللثام على أنفه أو فمه أو هما أو الوجه كاملا: بمعنى شد عليه اللثام لئلا يدخل الغبار منه إلى مجرى التنفس.

واللثام عادة من عاداتنا، كحفدة “الملثمين”، من أجدادنا المغاربة طبقة صنهاجة، من فخد هوارة، ممن كانت لهم بهذا المجال دولة ذائعة الصيت…، بوجوههم الملثمة، حسب “ديوان المبتدأ والخبر”. فوطنوا هناك بالقفر وراء الرمال الصحراوية، منذ دهور قبل الفتح، لا يعرف أولها.. فأصحروا عن الأرياف، ووجدوا بها المراد، واتخذوا “اللثام” خطاما تميزوا به بين الأمم.

فيروى، والعهدة على الرواة، أن لهم أسبابهم التي خصتهم بهذا التميز دون غيرهم. فتارة للتنقب أثناء الاستبسال في الحروب، كي لا تتعرف عليهم الخصوم، وتارة لتفادي الأمراض قصد التنفس..، ولتحصين الفم من دخول الذباب، أو الأرواح الشريرة… إلا أن السبب الغالب، حسب جل الرواة، هو حماية الفم والأنف من الرمال، ومن حرارة النهار، ومن الأرواح والبرودة ليلا..، بسبب كثرة سفرهم وتحركاتهم، عكس نسائهم فائقات الجمال، ممن يبقين في خيماتهن، كي لا تتأثر طراوتهن بقساوة الطقس، على حد تعبير جدنا العالم بعادات وتقاليد البلدان “ابن بطوطة” رحمه الله، ونفعنا بعلمه..

وحسب الرواة دائما، والعهدة عليهم، فلأجدادنا “الملثمين” أولئك، تقنيات خاصة بهم ابتدعوها دون غيرهم في فن اللثام. فإذا ترك اللثام ساقطا على الجبهة ليخفيها، فإن ذلك يدل على حزن المرتدي لأمر ما، أو على خجله واحترامه لشخص يقابله أو يكلمه… أما إذا رفع قليلا عن الجبهة، فيدل على الفرح والغبطة والسرور لملاقاة شخص يهمه أمره. إذ كان الأسياد يضعون، في الغالب، لثاما أسودا يميزهم عن الأتباع ممن يرتدون الأبيض، قبل أن يهتدي الجميع إلى اللون الأزرق، لإكتشافهم قدرته على التقليل من التعرق والإحساس بالعطش والتعب. حيث كان يرتبط الملثمون عامة بلثامهم كجزء أساسي من أجسادهم وحميميتهم…، لا يزيلونه لا في الصحو ولا في المنام، بل يخجلون من إزالته أمام الزوجات وعموم النساء، وكان من نزعه منهم عن فمه وأنفه، كمن نزعه عن عورته…

*أستاذ

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت