ستيفان بيرن من أشهر الصحافيين والوجوه التلفزية بفرنسا، وهو معروف أساسا ببرامجه المخصصة لتاريخ الأسر الملكية الأوروبية. في هذا الحوار يعود إلى مشاركة ولي العهد الأمير مولاي الحسن في مراسيم تشييع جنازة كونت باريس، هنري دورليون، وريث الأسرة الملكية الفرنسية التي أسقطتها الثورة الفرنسية في 1789. ويكشف الصحافي معطيات مثيرة حول علاقة العلويين وبالأسرة الملكية الفرنسية، بل وحتى عن الأصول المرابطية للأميرة بلانكا القشتالية، زوجة الملك الفرنسي لويس الثامن.
إسوة بالأمير مولاي الحسن، شاركتَ في مراسيم تشييع جنازة الراحل “هنري دورليون”. ما هو الانطباع الذي تركه ولي العهد؟
كان أمامي مباشرة، وكان مدهشا. لقد استوعب كل القواعد التي تخول له أن يكون عاهلا كبيرا، قامة وأسلوبا. لم تشب سلوكه أي شائبة البتة. فبينما كانت ملكة إسبانيا، ليتيسيا، تفرغ أنفها بقدر ما تستطيع، واضطرت امبراطورة إيران، فرح بهلوي، لمغادرة المكان من شدة البرد، فإنه لم يتحرك طيلة مراسيم التشييع. لقد أدهش مولاي الحسن الجميع. أبان عن نضج ورزانة هائلين… مع العلم أنه كان يرتدي لباسا تقليديا أخف بكثير مما كان يرتديه ضيوف آخرون.
قبل سنوات، حضر الملك محمد السادس، الذي كان آنذاك وليا للعهد، مراسيم تشييع جنازة الرئيس الفرنسي الراحل جورج بومبيدو في كاتدرائية “نوتر دام”، كأول مهمة رسمية له بفرنسا. هل هناك تشابها مع مهمة مولاي الحسن؟
تماما، وهذا أمر مدهش جدا. فكما أن محمد السادس مثل والده آنذاك، كذلك فعل مولاي الحسن اليوم. والمثير أن مدينة “درو”، حيث جرت مراسيم تشييع جنازة “كونت باريس”، تحتضن جالية مغربية مهمة. وقد جاء المغاربة بكثرة لتحية الأمير عند انتهاء المراسيم(…).
لقد ولد “هنري دورليون” في المغرب. هل يوجد تقارب بين “آل أروليون” والملكية المغربية؟
كان الأمير جون، الذي كان يحمل لقب “كونت باريس” إلى غاية 1999، قريبا جدا من محمد الخامس. وسبق له أن استقبل الملك المغربي وابنه (الملك الحسن الثاني فيما بعد) في إقامته في “لوفسيين” بإقليم “إيفلين” (ضاحية باريس). كما أن الأمير جون ناضل من أجل عودة محمد الخامس إلى المغرب. ولا يجب أن ننسي كذلك أن الأسرة (الملكية) الفرنسية سبق لها أن اشترت أراض بالعرائش وعاشت بها لبعض الوقت. كان زعيم تلك الأسرة يعيش في المنفى إلى غاية 1950، وكان يتردد على المغرب ما بين 1940 و1944 قبل أن ينتقل إلى إسبانيا.
ما هي الروابط التي تربط بين “آل أورليون” والعلويين؟
الروابط تاريخية في المقام الأول. فـ”كونتيسة باريس”، إزابيلدورليون- براغانس (جدة جون دورليون، الذي يعتبر الآن زعيم آل أورليون) حكت لي أن ملك المغرب كان يناديها دائما “ابنة العم” (ma cousine)، وكونت باريس “ابن العم” (mon cousin)، لأن الأميرة “بلانكا القتشالية (4 مارس 1188 – 27 نونبر 1252، وهي زوجة الملك لويس الثامن والوصية السابقة على عرش فرنسا) سليلة الرسول عبر المرابطين. إذن هناك رابطة أسرية بين أمير المؤمنين وسليلي الأميرة بلانكا القشتالية. ويثبت علم الأنساب (الجينيالوجيا) وجود زيجات بين سلاطين المرابطين وملوك إسبانيا.
وساهمت إقامة أسرة “آل أورليون” بالمغرب في تقوية هذه الروابط. وكان كونت باريس يقول لي دائما، لما كنت شابا، إنه كان يقضي عطله في ضيافة الحسن الثاني. هناك روابط أخوية بين الأسرتين.
حين نتحدث عن الروابط بين العلويين والأسرة الملكية الفرنسية، نستحضر أولا، قيام مولاي إسماعيل بطلب يد ابنة لويس الرابع عشر، آن ماري دو بوربون، هل هذا واحد من أبرز الروابط بين الأسرتين الملكيتين؟
في عهد مولاي إسماعيل كانت الروابط مع “آل بوربون” قد بلغت مستوى متقدما. والحال أن مثل هذه القصة الرومانسية جرت مرة أخرى فيما بعد. يُحكى أن الأمير مولاي الحسن (قبل أن يتقلد العرش ويصبح الحسن الثاني) كان يرغب في الزواج من الأميرة إيزابيل، الأخت الكبرى للأمير الراحل هنري، كونت باريس، ولكن عائق الدين وقف في وجه هذا الارتباط. فأمير المؤمنين لا يمكنه التحول إلى المسيحية والأميرة الكاثوليكية لا يمكنها اعتناق الإسلام كذلك (يضحك)(…).
في المغرب، نعيش بين الفينة والأخرى على إيقاع نقاشات تدور حول الملكية البرلمانية والملكية الدستورية. ما هو نظرك في هذين النمطين؟
الملكية البرلمانية تحمي أكثر الملك لأنه لا يكون مسؤولا أمام المنتخبين. يظل شخصية تمثل رمز الدولة، شخصية أخلاقية تعمل على تقدم البلاد. في العمق هذا يحميه.
لكل بلد تقاليده الخاصة به، والتي يلزم احترامها. لقد تطورت أوروبا، وكان على الملكيات الأوروبية إبرام ميثاق مع الديمقراطيات. وأصبحت الملكية والديمقراطية وجهان لعملة واحدة. باختصار: ملك يسود ولا يحكم(…).
سيحل ملك إسبانيا، فيليبي السادس، بالمغرب قريبا. كيف يمكن تعريف أسلوبه؟
إنه ملكي يميل كثيرا إلى التوافق، فهو يحاول دائما السير على نهج الحكمة. لعله أقل انخراطا في السياسة من والده خوان كارلوس، بمعنى أنه يحترم بدقة وحرفيا الدستور الإسباني، ويقول ما يرغب فيه رئيس الحكومة.
في بعض الأحيان، نود لو يضرب الطاولة بقوة أكبر. ويقول البعض يجب عليه أن يبدي شراسة أكبر بخصوص كاتالونيا(…). وعلى كل حال، فهو يظل على ما يجب أن يكون عليه ملك دستوري. فهو شخص حكيم ينصت ويستقبل الجميع. ويقوم بمهامه أحسن قيام. وفوق كل هذا، فهو لطيف للغاية(…).
هل يمكن أن نقيم توازيا بين محمد السادس وفيليبي السادس، من حيث الرغبة في التميز عن الأب؟
أعتقد ذلك. فهما ملكان محفوفان بالتقاليد والتاريخ، ويجسدان في الآن ذاته شكلا من الحداثة. ولكن مهمتيهما ليستا بالسهلة أبدا، لأنهما جاء بعد والدين قويين جدا.. والذين يتحليان بشخصيتين أبويتين مهيمنتين جدا، ولكن ابنيهما عرفا كيف يفرضان نفسيهما بفضل جدارتهما وأسلوبهما الخاص.
المصدر / مهدي محمود “تيل كيل عربي ” بتصرف