محمد البندوري/كلامكم
شهد رواق المسرح الملكي ليلة أمس افتتاح معرض تشكيلي فردي للفنانة المقتدرة فاطنة شواف بحضور شخصيات بارزة في الساحة الثقافية، ويتكون هذا المعرض من خمسة وأربعين لوحة جسدت خلالها المبدعة قوة تعبيرية عميقة من خلال تجليات الفن الواقعي بكل مراميه وبكل تجلياته الفنية والدلالية.
لقد رسمت للحضور وللقراء سياقا فنيا واقعيا تعبيريا معاصرا يحمل في طيه تقنيات جديدة أبدت من خلالها الفنانة فاطنة تعبيرات مختلفة عكست تصوراتها وأفكارها الفنية، وقد جسدتها بتشكيلات دقيقة رامت مجموعة من القيم الفنية والجمالية والإنسانية في نطاق أسلوب فني معاصر تنوعت فيه المواد والموروثات الحضارية.
وبذلك تعد هذه التجربة المائزة للفنانة فاطنة شواف مرحلة قوية تضطلع بتقاطعات مليئة بمجموعة من المكونات التي تتغيا المادة التشكيلية في عمقها الفني والدلالي. وهو نهج تشكيلي غاية في السحر، اعتمدته بغية إرساء التخصص المبني على الأسس التعبيرية المثقلة بحمولة من العوالم المتنوعة، والتي تروم العناصر الفنية الجديدة والمفردات التشكيلية المعاصرة التي تؤطر المنحى الجمالي والتعبيري المستبطن في كنف العملية الإبداعية ككل. إنه مسلك في التشكيل تؤطره الرؤية البصرية التي تعتمد السمات الجمالية في العمل الفني.
وبذلك تتبدى أعمال الفنانة فاطنة من خلال هذا المعرض الشخصي مثقلة بجملة من التعابير العميقة وفق منهج شكلي بصري صرف، ووفق اشتغال يأخذ بعين الاعتبار الاكتنافات الداخلية والانفعالات والأحاسيس ذات الأبعاد المنضوية في حكم المطلق، ترسلها المبدعة بشكل غير مباشر إلى القارئ، لا تحدها حدود ولا يسعها مكان ولا زمان، وبذلك فهي ترسم لها الاستمرارية من خلال مسلك التعبير الواقعي بأسلوب معاصر.
ولا شك أن التقنيات العالية التي وظفتها في هذا المعرض المتكامل الأنساق قد لعبت دورا رئيسا في توجيه أعمالها نحو ما ترغب توصيله.
كما أن مؤهلاتها الكبيرة وقدراتها الفائقة مكنتها من أن تؤثث أسلوبها التشكيلي الفريد بدقة وعناية وفق منظور خاص وبطرائق متنوعة، وهي بذلك تخضعه لسلطة التصور التشكيلي الممنهج لتتحكم في المادة التشكيلية، وتنتج من خلال استعمالاتها التقنية وعمليات التوظيف المتقنة للألوان والأشكال والعلامات مادة فنية حابلة بالمعاني والدلالات. لذلك أضحت موفقة في ربط مجموعة من العلاقات التشكيلية بالمضامين الباطنية، والحد من مجموعة من التباينات داخل الأنساق اللونية في علاقاتها بالأشكال المختلفة والألوان والشخوصات. الشيء الذي مكنها كذلك من توطيد أسلوبها الفريد التحاوري، وفق مادة معرفية وسيطة تؤلف بين استخدام الأدوات التحولية، وأشكال التعبير المختلفة، والمضامين الداخلية. فقد سعت من خلال الألوان تكثيف التداخلات العلاماتية والأشكال والشخوصات لتقدم رؤية تعبيرية انطلاقا من أعمالها الواقعية، وبسط نوع من الانسجام بين هذه المواد والكتل التي تتراءى بين الحين والفين في أعمالها، وهي في التحقق الفني تقدم جهدا يتخطى المجال التشكيلي الجاهز لتقفز إلى مجال تشكيلي تعبيري معاصر مدجج بعوالم رمزية وعلاماتية مبنية على أبعاد ذاتية وحسية تنهل من القضايا المادية واللامادية والفكرية والفلسفية في تجدد لوني وبأدوات متنوعة تشكل وسيلة دون قيد حتى تستجيب لرغباتها الباطنية بشكل مطلق. الشيء الذي ينتج فضولا لما وراء ستار التعبيرات المتنوعة وما تضمره على مستوى المضمون وعلى مستوى المادة الجمالية، فتجعل القارئ يضع أكثر من تساؤل عن الصيغ الجمالية التي تتلاءم مع هذا التوجه الفريد في التعبير بأدوات مختلفة وبمضامين تمتح مقوماتها من الحس عبر إطار مادي إلى أبعاد فلسفية عميقة الدلالات.
إنه مسلك تعبيري جديد يجعل الفنانة المقتدرة فاطنة شواف في صفوة الفن المعاصر.