الاستراتيجية الفرنسية بالمغرب وبناء النخب: لمحة تاريخية.

الاستراتيجية الفرنسية بالمغرب وبناء النخب: لمحة تاريخية.

- ‎فيرأي
380
0
*حسن إدوعزيز
وأنا اتابع ملامح الواقع المغربي الراهن، ومدى التردي العام الذي وصله.. وكيف وصل الأمر بتدبير الشأن العام للمغاربة إلى هذا المستوى الذي لا يطاق..، لم أدر كيف تذكرت المقيم العام الفرنسي، الجنرال ليوطي، وهو يشرح نظرته حول “السياسة الأهلية الفرنسية” أمام القواد والأعيان، سنة 1916 “بضرورة بقاء الناس والأشياء بالمغرب في أماكنها السابقة، وعلى أن يظل الرؤساء والأعيان المعروفون هم الآمرون، ويبقى الآخرون أو العامة هم المطيعون”. ولم أشعر حتى ربطت ما يقع اليوم من أمور بالبدايات الأولى للإصلاح بالمغرب نهاية التاسع عشر وبداية القرن العشرين. فما أن استطاع الفرنسيون توقيع عقد حمايتهم للمغرب بمدينة فاس، حتى وضع المقيم العام ليوطي، وبعض معاونيه من الفرنسيين والمغاربة المحميين، الأسس الأولى للنظام التعليمي بالمغرب. ولم تحل سنة 1915، كما يستفاد من التقارير المنجزة حول التعليم العمومي بمغرب تلك الفترة، حتى تم تعيين “جورج هاردي” مديرا عاما لما سمي أنذاك بمديرية التعليم العمومي والفنون الجميلة. ولتبدأ الاستراتيجية الفرنسية الجديدة للسلطات الفرنسية بالمغرب من ميدان التعليم، وليبدأ من خلال التعليم تقسيم المجتمع المغربي إلى مجتمع العامة ومجتمع الأعيان، بإنشاء مدارس خاصة لأبناء الأعيان الآمرين، مقابل أخرى لأبناء العامة المطيعين. ولينبري المدير العام للتعليم “هاردي” في تنفيذ سياسة ليوطي المشار إليها. حيث بدأ العمل بتقويض النموذج التعليمي للجمهورية الفرنسية الثالثة بالمغرب، خلافا لما تم تنفيذة وإقراره بكل من الجزائر وتونس. وليتم الاتجاه نحو إعادة نفس الطبقات والعلاقات الاجتماعية السائدة، تماما كما وجدها الحماة، وسجلتها كتابات مبعوثيهم السابقين. 
لقد اتجهت السياسة الأهلية للجنرال ليوطي، كما تجمع أغلب الدراسات حول تلك المرحلة، إلى إعلاء “النموذج الفرنسي” في أعين المحميين من الأعيان وأبنائهم، وذلك بالحرص على إبقائهم بعيدين عن الأعمال اليدوية والحرفية وأشغال الفلاحة، وتوجيههم للتفرغ للتجارة والوظائف العمومية، تماما كما سارت عليه الاصلاحات الأولى للسلطان الحسن الأول. إذ سعى القيمون على الشأن التربوي أنذاك إلى استفادة أبناء هذه الطبقة من تعليم خاص جدا بمناهج منتقاة، ليقوموا بأدوارهم المرسومة لهم مستقبلا وهي الحفاظ ما أمكن على المصالح الفرنسية بالبلد المحمي. 
وفي المقابل، اتجه نفس القيمون نحو تحقير الثقافة الوطنية لعامة المغاربة، وتقديمها كنموذج متخلف داخل مدارس تقليدية، تركتها الادارة الاستعمارية عرضة لكل أشكال الاهمال على المستويين المادي والتأطيري.. بمحاربتها لأي تجديد في برامجها ومناهجها، أو هيكلة لإدارتها، وبتهميشها لأوضاع العاملين والدارسين بها على حد سواء..  تماما كما يقع اليوم. 
يتبع
*أستاذ، وطالب باحث في التاريخ.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت