كتاب:الرياضة والسياسة والفلسفة.. الرياضة بنية سياسية (12

كتاب:الرياضة والسياسة والفلسفة.. الرياضة بنية سياسية (12

- ‎فيرياضة
1632
0

nap1Napoléon Bonaparte

1- الرياضة والاستعمال السياسي
يتحدث الناس غالبا عن أن السياسة تستعمل الرياضة كأداة. واستخدام أمر كأداة يعني تحويله عن غايته الخاصة الأصلية ليخدم أمرا آخر خارج مجاله.
وعلى سبيل المثال، فالمواطنة أو البطالة يمكن توظيفهما كأداة ضمن سياسة عنصرية: إذ لن يعود الأمر حينها مرتبطا بخدمة السيادة الوطنية (المواطنة) أو بإصلاح الاقتصاد (البطالة)، بل بممارسة العنف ضد إحدى الأقليات. وهذا معنى التحويل والتحريف والاستخدام.
مثال آخر: يمكن كذلك تحريف العقيدة الدينية (المسيحية، اليهودية، الإسلامية) عن مقاصدها الروحية، لتخدم هذا الـحزب أو ذاك مـمن يعلنـون أنفسهم حـزبا “مسيحيا ديمقراطيـا”أو “صهيونيا” أو “إسلاميا”.
وهذه العملية تُبْعِدُ مَنْ سَقَطَ في فخها عن هدفه النبيل وتبعث به لتضخيم صفوف فيلق غريب عن اهتماماته ومشاغله الأولى والمبدئية.
فماذا عن الرياضة ؟ لقد تمت معاينة الكثير من محاولات تحويل الاتجاه. غير أنها لم تنجح، ولم تفلح أبدا. ولا يوجد حزب سياسي أو تيار سياسي قائم على أسس رياضية، وليس هناك “حزب رياضي ديمقراطي” أو “جبهة رياضية للإنقاذ”، ولا توجد تيارات سياسية مناهضة لهذه الرياضة أو تلك مثلما توجد تيارات ضد الهجرة والعلمانية والإكليركية والعولمة وضد الثقافة.
وهذا الغياب مشهود به في عالم حيث يزعم الجميع أنه رياضي وحيث الجميع يحب الرياضة ويحترمها. ومن اللافت حقا أن هذا الإجماع لم يتح إطلاقا الفرصة لنجاح أي محاولة لاحتواء الرياضة وتذييلها : إذ يجب الاقتناع بأن الرياضة تمتلك مضادات طبيعية تحميها من مشاريع الاحتواء السياسي.
ولنضرب للناس مثلا بعلاقة الرياضة مع النازية في ألمانيا ثلاثينيات القرن الماضي: لقد قيل مرارا وتكرارا إن النازية “نظام رياضي”. بل إن فلاديمير جانكيلفيتش، الفيلسوف الإنساني العظيم، انطلت عليه الخدعة لدرجة أعلن معها في أحد المؤتمرات هذه العبارة الغريبة : “احترسوا من الرياضي الجميل”. والحال أن هذا القران بين الرياضة والنازية مجرد وهم، وذلك لثلاثة أسباب على الأقل :
* قوام السبب الأول أن ألمانيا الثلاثينيات كانت أقل رياضية من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، والحركات الرياضية الأولـى لـ “turners” كانت هامشية ولم تكن كافية لمنح الفيالق.
* والسبب الثاني أن التدريب الجسماني للنازيين كان عسكريا ولم يكن رياضيا، وهو ما يعني التدريب على القتل. والقتل مناف للرياضة وهي منافية له. ولم تقبل الرياضة أبدا، ولو في الحدود القصوى، قتل المنافس وتعذيبه وإذلاله وإهانته، اللهم إلا إذا سميته شيئا آخر ! ولكن إذا أطلقنا اسم الرياضة على أي شيء كان، وإذا كان أي تدريب أو مجهود عضلي “رياضة”، فلن يعود بالإمكان التفكير، ولن يعود للكلمات معنى.
* وأخيرا، فإن السبب الثالث يقوم في ضرورة الحديث عن الألعاب الأولمبية في برلين والتي شكلت محاولة سافرة ومفضوحة للتحريف والتحويل والتي انقلبت أخيرا ضد هتلر لأنه اضطر إلى مغادرة المنصة أمام انتصار لاعب رياضي أسود. ومن المشهود به أن الرياضة هي التي وجهت لهتلر الصفعة الأولى، وأن الملعب الذي كان يفترض فيه إشهاره، برهن أمام آلاف الناس أن نظرية الأعراق أو الأجناس الدنيا لا معنى لها.
إن قيم النازية، وهي العنصرية وبغض النساء والعنف العسكري لم تُدْمِجْ يوما الرياضة إلا وفجرتها. فما معنى الرياضة النازية؟ إذا كانت نازية، فلن تكون رياضية لأنه يجب ابتداع رياضة ينهزم فيها دائما السود والغجر واليهود، رياضة لا تستطيع النساء ممارستها ويؤول التحكيم فيها، في نهاية المطاف، في نهاية المقابلة، إلى عنف الأسلحة طالما النازية تستهتر بالقوانين والمواثيق.
ومثال النازية ينسجب على كل سياسة أخرى. فالرياضة الشيوعية التي تعطي كل واحد حسب حاجاته، وتشكل فيها المساواة قاعدة، ولا يوجد فيها منهزم ومنتصر، ستكون كذلك غير مستساغة. إن الرياضة الشيوعية التي لا تحفز طموح وفردانية اللاعب أو الفريق، لن تكون رياضة، بل أُلْـهِية ومُزْحة تستثير الضحك والشفقة.

يتبع

ألفـــــــه: إيف فارگاس

تــرجمــــة : عبد الجليل بن محمد الأزدي / بلعز كريمة

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت