بقلم كاثرين أونيل/ مراكش
تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (MENA) من أكثر المناطق التي تعرف معدلات متدنية لتوظيف الإناث. وعلى الرغم من أن معظم البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ، بما فيها ليبيا وإيران، قد شهدت معدلات متزايدة تدريجياً للنساء العاملات، فإن معدل مشاركة المرأة في سوق الشغل المغربي قد انخفض وبشكل فعلي منذ عام 1999 حيث بلغ الآن 26 في المائة حسب موقع بروكنغز. هذا الانخفاض لا يتناقض فقط مع التوجهات العالمية والإقليمية فحسب، بل و أيضًا يأتي على الرغم من الجهود الكبيرة التي تبذل سواء من طرف الحكومة المغربية أوالمنظمات غير الحكومية للرفع من المستوى التعليمي للمرأة على أمل تحسين فرص توظيفهن. ويقدر البنك االعالمي أن ارتفاع معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة (FLFP ) قد يؤدي إلى زيادة في متوسط دخل الأسرة بنسبة 25٪ ، وهو أمر من شأنه أن يحسن بشكل كبير المستوى المعيشي للرجال وللنساء وكذا الشباب في المنطقة.
وتمثل برامج تعليم المرأة مساعي ممتازة لتغيير المستوى المعيشي ولتعزيز المساواة، لا سيما بالنظر إلى ارتفاع معدلات الأمية بين النساء القرويات. ومع ذلك، التعليم وحده ليس هو الحل لانخفاض نسبة مشاركة المرأة في سوق الشغل. ففي المغرب، ووفقاً للبنك العالمي، فإن النساء تشكل 47٪ من السكان الذين يحملون شهادة درجة علمية ثالثة من الشهادات، ومع ذلك تظل الأغلبية العظمى مهمشة على مستوى القوى العاملة. وتظهر إحصائيات مماثلة بأن نسب التعليم العالي والعمالة المنخفضة للنساء سائدة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط و شمال افريقيا. فالاشكالية ليست البطالة بالنسبة للمرأة ولكن الجمود الكامل في القوى العاملة، فقد ذكرت تقارير أخبار العالم في المغرب أن أكثر من 70 في المائة من النساء المغربيات غادرن القوة العاملة ببساطة؛ فهنّ لا يعملن ولا يبحثن عن عمل، رغم أن ثلث هؤلاء النساء يمتلكن درجات تؤهلهنّ للحصول على وظائف ذات رواتب جيدة.
وفي دراسة استقصائية أجرتها بروكنغز، ارتكزت بالأساس على النساء في المجال الحضري واللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و 29 عاما، سواء ما زلن في المدرسة أو تخرجن مؤخرا، وطرح عليهن سؤالا ان كن يعملن أو يخططن للعمل بعد التخرج. كانت إجابة غالبية المشاركات في الاستطلاع هي لا، أي أنهنّ لا يعملن ولا يخططن للعمل بعد التخرج، وعندما طُلب منهنّ ذكر الأسباب، أجابت 45 في المائة منهنّ أن السبب الرئيسي يتعلق بمعارضة أفراد الأسرة، في حين أجابت 30 في المائة منهن بأن السبب راجع لانشغالهن بمسؤوليات البيت؛ وبالرغم من أن التعليم يشكل عائقا في المغرب، لا سيما فيما يتعلق بالنساء في العالم القروي، إلاّ أنه ليس العائق الوحيد أمام ولوج المرأة لسوق الشغل.
كما أنه ليس هو القيد القانوني، فعلى الرغم من أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعرف أكبر عدد من القيود على النساء في العالم – مما يجعل من الصعب على المرأة أن تحصل على الوكالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية اللازمة للمشاركة في القوى العاملة – غير أنّ المغرب يشكل نوعا من الإستثناء. ففي عام 2004 أصدر المغرب إصلاحًا هاما فيما يتعلق بقانون الأسرة (المدونة) لتعزيز المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل.
وفي حالة المغرب على وجه التحديد، لا يحتاج المنادون بارتفاع نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة للدفع من أجل الإصلاح القانوني، ولكن من أجل التطبيق الفعال للقوانين القائمة. وفي هذا الإطار تعتبر الإصلاحات التي جاءت بها مدونة الأسرة بمثابة الطريق لمشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية؛ ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من النساء القرويات لا يدركن حقوقهن، وبالتالي غير قادرات على ممارستها. القانون الرسمي موجود، لكن لا يتم تطبيقه بفعالية، حيث لا يوجد احترام واسع النطاق لهذه الحقوق ودلك لأن قلة قليلة من الناس هي التي على دراية بهذا القانون. لذا فالجهود المبذولة لزيادة الوعي بالمدونة قد تساعد على إزالة التحيزات والحواجز الضمنية التي تستمر في منع المرأة المغربية من الولوج إلى سوق العمل.
وبما أن معظم الفتيات والنساء أدرجن المعارضة الأسرية والمسؤوليات في المنزل كأسباب رئيسية لعدم دخولهن إلى سوق الشغل. فإن الحكومات والمنظمات غير الحكومية بحاجة إلى تصميم برامج تعالج هذه القضايا على وجه التحديد. ففي المغرب ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هناك حاجة ماسة إلى تمكين المرأة؛ إذ تحتاج هذه الأخيرة إلى الثقة بالنفس والقدرة على الدفاع عن طموحاتها، وإلا فإنها ستستمر في بقائها خاضعة ً للمحيط الذي تعيش فيه، تقوم بواجبات رعاية الأطفال والطهي والتنظيف والتي يعتبرها البعض حكرا على النساء فقط، مما يجعل من الصعب عليهنّ العمل خارج المنزل.
لذا فالبرامج المحفزة لأرباب العمل سواء عن طريق توفير الخدمات التي تخفف العبء على المرأة، مثل مراكز الرعاية النهارية المجانية وإجازة الأمومة المدفوعة وغيرها، والتي تساعد المرأة بشكل كبير على ولوج سوق الشغل. وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي بذل المزيد من التركيز لإنشاء تعاونيات نسائية، خصوصا ً في المناطق القروية، حيث إن التعاونيات تتيح للمرأة إدارة أعمالها بشكل جماعي، مما يعني أنها تضع برامجها الخاصة، وبالتالي تكون في وضع أفضل لاستيعاب مسؤوليات الأسرة والعمل.
الإستراتيجيات الحالية لزيادة تواجد المرأة في سوق الشغل لا تعمل بالشكل المطلوب. فمنذ عام 2016 تقوم مؤسسة الأطلس الكبير بتنفيذ برنامج لتمكين المرأة في المغرب عن طريق دمج المدونة مع البرنامج الذين يعملون على مساعدة النساء على استكتشاف دواتهن، حيث تجتمع النساء معًا لإطلاق قدراتهن الإجتماعية والإقتصادية. وفي كثير من الأحيان يؤدي هذا البرنامج (الذي تم تطويره بالاشتراك مع معهد التمكين) إلى إنشاء التعاونيات حيث إن النساء في المجال القروي يعملن على استجماع مواردهن ومواهبهن لبدء مشاريعهن الخاصة. وإن قدّر أن يحدث تغيير مستدام، فيتعين على الحكومات والمنظمات غير الحكومية اتباع نهج تشاركي يركز على العقبات وكذا الحاجات التي تحتاجها المرأة.
________________________________________________________________
كاثرين أونيل تدرس العلاقات الدولية في كلية كليرمونت ماكينا. وهي متدربة حاليّاً لدى مؤسسة الأطلس الكبير خلال فصل الصيف.