بقلم: د. محمد آيت لعميم
كتب الجاحظ عن العميان والبرصان والعرجان والحولان كتابا مهما للغاية ليبرز ان العاهة والاعاقة لاتحول دون النجاح والحياة العادية, بل سعى لابراز ان العاهات محفز كبير للوصول إلى المراتب العليا. ولذلك تحدث بتفصيل عن ذوي العاهات والاعاقات الجسدية من الملوك والاشراف ورجال الدولة والشعراء والكتاب والادباء ألذين ذاع صيتهم واشتهروا بين الناس.
ولأن الجاحظ كاتب عبقري وفذ اهتم بموضوعات لم تكن سائدة ضمن معايير الثقافة المهيمنة في عصره فانه قد انتبه بحسه المرهف وبذكائه الوقاد الي مناطق لم تطاها اقلام الكتاب. وقد انتبه الي ضرورة الاعتناء بذوي الحاجات الخاصة وباصحاب العاهات. وهو الاخر قد جرب مرارة العاهة وقبح الوجه وبروز الحدقتين ، وفي اخريات حياته اقعده الفالج والنقرس وظل يقاوم ويتحدي ويكتب الي اخر رمق في حياته منسحقا تحت كتبه التي اودت بحياته حيث سقطت عليه مكتبته.
ان سلسلة المعاقين جسديا طويلة ولاتنتهي. حيث انتظم فيها مفكرون وعباقرة وادباء وفنانون كبار ولم تحل الاعاقة دون ابراز مواهبهم. فالفيلسوف الدانماركي الشهير كيركجارد الذي يحكي في يومياته عن ماساة اسرته وعن سلسلة الوفيات التي عوقب بها ابوه الذي كان في طفولته راعيا للغنم وفي لحظة ياس جدف في حق الذات الالهية وبعد هذا التجديف سيغتني بصورة غريبة وظل ينتظر العقوبة الالهية موقنا ان العقوبة لن تمس ثروته بل شيئا أغلى من الثروة وهو الأسرة بحيث عرفت اسرته سلسلة مِن الوفيات.
وسينجو كيركجارد لكن هذه النجاة ستصاحبها مرارة الاعاقة. هذه الاعاقة ستكون عاملا حاسما في تكوين شخصيته حيث عاش طوال حياته صراعا بين روحه وجسده ، بين طاقة روحية هائلة وجسد شائه وسقيم. ماكان يدعوه “بالشوكة في الجسد”.ولقد حول دونيته الي علو. وظل طيلة حياته شبيها بجانوس اله البوابات بين السماء والارض عند الرومان ذي الوجهين يضحك بوجه ويبكي بوجه.
ان الجسد المعاق يجعل الروح يقظة ومتوثبة ،هذه الحالة تنطبق عن الشاب محمد الرامي ،وقصة حياته تستحق ان تروى. جاءني منذ اربع سنوات بالقرب من منزلنا في حي كاسطور وسلم علي ولم اكن اعرفه من قبل ،استرعي انتباهي ان لديه صعوبة في الكلام والحركة ،لكنني انتبهت الي شيء اساس وهو انه كثير الابتسامة وعلامة الرضى بادية على محياه. بادرني بمظروف فيه مجموعة من الصور للوحاته وطلب مني ان اكتب عنها. ماطلته طويلا لاجرب صبره واصراره. فنجح في الاختبار كان كلما التقى بي يسألني هل كتبت عنه ام لم اكتب. وانا انتظر لحظة الكتابة عن محمد الرامي الانسان والفنان كنت اغتنم اطلالته الفجائية علي في مقهى الحي واوجه اليه أسئلة حول حياته وعلاقاته بالناس في المجتمع لاختبر ذهنه اكتشفت ان لديه قدرة هائلة على التذكر والحكي.
الشاب الفنان محمد الرامي من مواليد حي كاسطور الحي الحسني بمراكش ولد عام 1983 لم ير اباه حيث عاش يتيما لتكفله امه فتيحة بلبولي فهو وحيدها. ولد باعاقة جسدية يداه منكمشتان ورجلاه لايقدر علي المشي والحركة. حكى لي ان امه كانت تاخده الي مكان خال وراء ثانوية ابن تومرت على كرسيه المتحرك وكانت تطلب منه ان ينزل ويحاول دفع الكرسي وتكررت المحاولات حتى تمكن من الوقوف على رجليه وكان جده يدلك يديه حتي انطلقتا وبدأ يستعملهما. اصرار الاسرة ان يعيدوا الامل لهذا الشاب أعطى ثماره ،فتمكن محمد الرامي من المشي وتحريك يديه. حكى لي قصة تراجيدية كوميدية حين سالته هل دخلت المدرسة،فقال لي ذهبت به امه الي مدرسة الحي لتسجله فابي المدير زاعما ان هذا الطفل معاق ذهنيا ولكي يبرهن للام ان ابنها معاق ذهنيا ضربه علي رأسه بعصا فإذا الطفل يدخل في نوبة بكاء حادة من الالم. يا له من سلوك مرضي لهذا المدير العجيب!
بعد فشل ولوج المدرسة اخده ابن خال له الي جمعية التربية والتخييم ومنذ هذه اللحظة انخرط محمد الرامي في العمل الجمعوي فانظم الي جمعية الصفا بدوار العسكر لتعلم الموسيقي والمسرح ،وصادف ذات مرة ان حضرت سيدة فنانة خديجة العماري بعض انشطة هذه الجمعية واعجبها اداء محمد الرامي فطلب منها ان تعلمه فنون الرسم والصباغةوذلك سنة2002 فساعدته هذه المراة بلوازم الرسم من صباغة وفرشاة وورق فكانت بذلك البداية لمحمد الرامي في عالم التشكيل. في عام 2003 تلقي تكوينا مسرحيا علي يد الممثل وليد بدار الثقافة. وفي سنة2010 سيقيم اول معرض تشكيلي فردي بالمسرح الملكي. بالاضافة الي انخراطه في عالم الفنون ،فهو ايضا يغني بعض اغاني الراب ،وشارك منذ سنتين في فيلم لعب فيه دور المعاق انجزته ليساف
isav
محمد الرامي متعدد المواهب ،ويومن بان الفن يرر الروح وينتشلها من عجز الجسد ويتمنى ان يترك بصمته في الحياة. على محياه علامات الرضي بالقدر ، ولم يجد من المحيط العام من يشجعه ،فاغلب العاجزين لايعطونه جرعة الامل، لكنه مدرك ان الاصرار والايمان بما يفعل سيقودانه الي النجاح والتالق
ذكرت لصديقي الفنان العراقي طه سبع الذي ياطر الأطفال المتخلي عنهم والاطفال المنغوليين في ورشات للرسم حالة محمد الرامي فرحب باحتضانه ومساعدته في مشواره.