النهج المغربي: دمج التراث الثقافي بالتنمية المستدامة

النهج المغربي: دمج التراث الثقافي بالتنمية المستدامة

- ‎فيرأي
304
0

بقلم: د. يوسف بن مير

 

نبذة مختصرة

إن نهج المغرب في تنفيذ المشاريع التي تحافظ على هويته المتعددة الثقافات يدمج الفرص لتعزيز التنمية المستدامة. وتتمثل الإستراتيجية في تحديد طرق ليس فقط للحفاظ على المواقع والمعارف ذات الأهمية الثقافية، بل وأيضاً لتعزيز سبل العيش والصحة والتعليم. فترميم المقابر اليهودية في المغرب وإقامة مشاتل أشجار الفاكهة بمقربة منها لفائدة المجتمعات المحلية خير مثال حيوي لنموذج ربط التعددية الثقافية والتنمية المستدامة. كما أن حالة ترميم حي الملاح التاريخي في مراكش تمثل الحاجة إلى تحفيز المشاركة المجتمعية بشكل أفضل. ويتم عرض خبرات المشاريع في مدينة الصويرة للمساعدة في إلقاء الضوء على أهم القضايا. وفي الختام يقدم المقال توصيات لتحسين تطبيق النموذج المتكامل للتنمية الثقافية في المغرب.

المفردات الأساسية: ،الفلاحة، الثقافة، التنمية، المغرب، المشاركة

###

يعيش معظم المغاربة على واقع الفقر، كما أن برامج التنمية البشرية في المناطق القروية خصوصا لا تكفي لضمان مستقبل مشرق لعموم الساكنة ولا سيما النساء والشباب. وفي الوقت نفسه، فإن الأمل في تغيير مستدام لا يزال قائما كون المغرب يزخر بمجموعة برامج وسياسات التنمية البشرية المبتكرة الهادفة لتعزيز التضامن الاجتماعي، مبادرات ديمقراطية تشاركية صممت خصيصا لتحفيز التنمية التي تضع الاحتياجات البشرية في قائمة أولوياتها.

وعلى سبيل المثال، تستدعي المواثيق المجتمعية المغربية تطبيق أساليب مجتمعية تشاركية شاملة في تخطيط المشاريع. وهكذا تصبح المشاريع مؤهلة لمعالجة العوامل والأهداف الاقتصادية والبيئية والإجتماعية. المثال الثاني هو خارطة طريق تطبيق اللامركزية في المغرب والمصممة لتسخير الشراكات بين القطاعين العام والخاص ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻌﻴﺪﻳﻦ اﻟﻮﻃﻨﻲ والإقليمي سعيا خلف تحقيق أهداف اﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺤﺪدة محليّا1. وتخلق هذه المبادرات وغيرها من المبادرات الوطنية، مع التحديات الكبيرة في تنفيذها وعدم فعاليتها بشكل عام، بيئة يمكن فيها توسيع نطاق التمكين والنموّ في المغرب. قد تتعرض بعض الصعوبات تنفيذ برامج التنمية الإستراتيجية خير تنفيذ، خصوصا في المناطق القروية الأفقر إلى الاستثمار الفلاحي الأساسي وغيره من مشاريع التنمية البشرية.

يبقى إذا تجسيد نموذج نهج التنمية المتكاملة في المغرب الطريقة الأمثل للحفاظ على ثقافته المتنوعة. ويفصل دستور المملكة لعام 2011 في ثقافات البلاد وأعراقها، العريق منها والعتيق. وتشمل المحافظة المغربية كل من المؤسسات الثقافية، والمواقع والتحف الفنية، والتخطيط لتعزيز حياة المواطنين بمعايير محددة، مثل التعليم والدخل والصحة. كما أن تعزيز الأنشطة الثقافية يتزامن مع تطور التنمية البشرية.

ومنذ اعتلائه عرش المملكة، دافع الملك محمد السادس نصره الله و ايده عن فرضية دمج المبادرات الثقافية والتنمية المستدامة في خطوات منفصلة، ويجسد موقف المملكة فيما يتعلق بتحالف الأمم المتحدة للحضارات مثلا طبيعة الأعمال التي تتسم بالتنوع الثقافي والتنموي على حد سواء لتحسين التعاون بين الدول. وقد أوضح الملك محمد السادس في عام 2008 أنّ “هذه الرؤية تتمثل في التأكد من أن الثقافة تعمل كقوة دافعة للتنمية وجسرا للحوار”2. إنه الحوار المجتمعي والثقافي الذي يجعل من التنمية قوة دافعة، ويرفع العلاقات الثقافية المنتشرة.

المنهجية

اعتمدت المنهجية الرئيسية لجمع البيانات في هذا المقال على الملاحظة المباشرة وفي بعض الحالات على مشاركة المؤلف في المشاريع والبرامج التنموية والثقافية التي سبقت الإشارة لها. أما بيانات المجتمع التي تهم أولويات التنمية لصالح ساكنة حي الملاح بمدينة مراكش فقد حصلت من خلال مؤسسة الأطلس الكبير (HAF)التي اعتمدت المقاربة التشاركية، والتخطيط المجتمعي، وترتيب مصفوفة الالولويات ( مؤسسة الأطلس الكبير منظمة مغربية أمريكية غير ربحية يترأسها المؤلف). وقد أعيد النظر في مشاريع التنمية الثقافية التي تم تحليلها في سياق السياسات والإستراتيجيات الوطنية المغربية.

علاوة على ذلك، فإن تقييم فعالية المشاريع المتعددة الثقافات وفرص الحفاظ والتطوير التي تمثلها والتحديات التي تواجهها تستند إلى مزيج من مشاركة المؤلف مع هذه المبادرات وكذلك أبحاث في الأدب. وغرض المقالة هو أن تعرض: (1) النموذج المغربي للحفاظ على التراث الثقافي وتوصيات لتحسين تنفيذه ؛ (2) الطرق التي تتكشف بها هذه الإستراتيجية المتعددة الأبعاد في تجربة مغربية مرتبطة بمؤسسة الأطلس الكبير في الصويرة ومراكش ؛ و (3) طريق لدول أخرى للعمل المتعدد الثقافات الذي يحسن سبل عيش الناس وتعليمهم وصحتهم وتمكينهم.

المشاتل المجتمعية في المناطق القروية الممنوحة من قبل الطائفة اليهودية المغربية

إنطلق المشروع الوطني المغربي لإعادة تأهيل المقابر اليهودية في عام 2012. هناك ما يقرب من ستمائة من “القديسين” اليهود المدفونين في أرجاء مختلفة من المملكة. وقد دُفن العديد منهم قبل ألف عام أو أكثر، وكان 167 موقعًا جزءًا من برنامج الترميم الوطني الذي يشمل الحفاظ على القبور ومحيطها المباشر. وابتداءً من مراكش 3 بدأت الطائفة اليهودية في عام 2012 بإعارة أراضي بالقرب من سبع مقابر حيث تستطيع مؤسسة الأطلس الكبير( HAF) زراعة مشاتل أشجار للاشجار المثمرة البيولوجية لصالح العائلات الفلاحية المرسسات التعليمية.

معظم الفقر في البلاد (وفي العالم) موجود في المناطق القروية. ويتحوّل المزارعون المغاربة من زراعة الشعير والذرة التقليدية إلى زراعة أشجار الفاكهة الأكثر ربحًا، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الطلب بشكل ٍ كبير جدّا ً على الأشجار. وبحسب4 الوكالة المغربية للتنمية الفلاحية  تزرع الحبوب على نحو 70 في المائة من الأراضي الزراعية، إلا أنها لا تنتج سوى 10-15 في المائة من العائدات الزراعية. أما أسر الفلاحين – التي تمتلك مساحات صغيرة من الأرض تجني الآن منها أكثر بكثير مما كان يعطيه الشعير والذرة – فهي محرومة من التعليم (لا سيما في السلك الثانوية) والبنية التحتية الصحية وسبل العيش المحلية المتنوعة . يواصلن بعد المدرسة الابتدائية في العديد من المناطق القروية على سبيل المثال أقل من نصف البنات تعليمهن الرسمي. وتواجه المهاجع (صالات النوم) والمياه النظيفة والحمامات إحتياجات شديدة منتشرة في المدارس الريفية. لا تزال مياه الشرب، على مستوى المقاطعات المغربية، هي الأولوية القصوى في القرى، ولكن هذا ينطبق أيضًا على بعض أحياء المدن (بما في ذلك مدينة مراكش كما يعبر عن ذلك سكانها). وبالنسبة للمجتمعات الجبلية فقد تكون البنية التحتية للري تحويلية اقتصاديًا وبيئيًا، وبالنسبة لمعظم الساكنة القروية ، تظل غير قابلة للتغيير. فرص العمل لغالبية الشباب في المناطق القروية والحضرية نادرة بشكل رهيب.

ترغب الأسر الفلاحية زراعة أشجار الفاكهة باعتبارها واحدة من سلسلة من التدابير الضرورية للقضاء على الفقر القروي: معالجة المنتجات صناعيّا ً، كالتعليب مثلا ً، إنشاء التعاونيات، والوصول إلى الأسواق بشكل أكبر، وتأمين الشهادات العضوية وتعويض الكربون هي أيضا تدابير حيوية من بين أمور أخرى. 5زراعة الأشجار المثمرة من الشتلات على الأراضي التي يقدمها اليهود المغاربة وتوزيعها على المجتمعات القروية الفقيرة لا يساعد فقط على تلبية أولوية إنمائية رئيسية، بل يشكل أيضًا عملاً متعدد الثقافات (بين الأديان). والعلاقات المتجددة بين أسر المزارعين المسلمين وأفراد المجتمع اليهودي عمّقت الإحترام والتقدير بين المستفيدين من مقرات هذه المقابر التاريخية.6

يستغرق الأمر عامين لزراعة الأشجار من البذور، ويجد مزارعو الأسر المغاربة أنه من المستحيل التخلي عن زراعة أراضيهم لمدة عامين. والأرض الجديدة لمشاتل الأشجار المجتمعية – التي منها تنتقل الشتلات ذات العامين لزراعتها في حقول العائلات الفلاحة – تتغلب على مشكلة نقص الأراضي الناشئة عن إنتاج أشجار الفاكهة في المشاتل. ومقرضو غيرها من الأراضي العينية لمؤسسة الأطلس الكبير من أجل إقامة مشاتل أشجار للجاليات المحلية هم من مؤسسات القطاعين العام والخاص: المندوبية السامية للمياه والغابات ومكافحة التصحر المندوبيات الإقليمية التابعة لوزارة التربية والجامعات والتعاونيات. وتلعب التبرعات بالأراضي لمشاتل مجتمعية ناجحة دوراً لا غنى عنه في المغرب نحو التنمية الفلاحية المستدامة والعضوية المتكاملة.

تولّد المبادرة المغربية اليهودية – المسلمة النية الحسنة بسبب تعزيز الأمن الغذائي والتنمية المستدامة للأسر الزراعية وبالتالي زيادة الوحدة الاجتماعية والمزيد من الإجراءات للحفاظ على التراث الثقافي. ولكن ما يزيد من مقياس التضامن (والاستدامة) إلى الحد الأقصى هو أن المجتمعات الزراعية نفسها حددت الأشجار المثمرة كأولوية للمشروع، هذا بالإضافة إلى الأصناف التي يفضلون نموها. لذلك، فإن المشروع يستجيب للاحتياجات التي يعبّرعنها للناس ويساهم في تقديم النتائج التي يسعون إليها. وهذا يشرح كيف أن المنافع الإجتماعية تصل إلى حدّها الأقصى عندما يتم دمج مشاركة الناس في العملية الثقافية التنموية.

 

نتائج التعاون المغربي اليهودي المسلم

في عام 2014 تم إنشاء المشتل التجريبي على أراضي الجالية اليهودية بالقرب من قرية اقريش التي تقع في اقليم الحوز (خمسة وعشرين كيلومترًا جنوب مراكش) بالقرب من ضريح الحاخام رافائيل هاكوهن البالغ من العمر سبعمائة عامًا. ففي السنوات الثلاث الماضية تم زرع 150.000 بذرة (33.000 في عام 2018) من اللوز والتين والرمان والأركان والخروب والليمون في المشتل وتم نقلها إلى قطع أرض خاصة بالمزارعين بعد نضجها إلى شتلات. ويعمل على نموها الآن كأشجار ما يقرب من 1000 مزارع و 130 مدرسة في المغرب – كله لصالح المزارعين.

تم تقديم تكلفة المشروع التجريبي وقدرها 60،000 دولار من قبل وهيبة إيسترغارد ومايك جيليلاند، من سوق لوكي، وجيري هيرش مع مؤسسة لودستار. وقد منح عامل اقليم الحوز، يونس البطحاوي، اسم هذه المبادرة – بيت الحياة – متبنيا ً الاسم العبري لمقبرة. كان جاكي كادوش 7، رئيس الطائفة اليهودية بجهة مراكش اسفي-حيّ صافي، له دور أساسي في منح هذه الأرض وغيرها من الأراضي لمدة عشر سنوات. وقام الأمين العام للجالية اليهودية في المغرب، سيرج بيردوغو، بتمكين التوسع الحيوي لمشروع المشتل في هذه الأرض المجانية.

يتم في هذا المثال عرض تطبيق النموذج المغربي للتعبير عن الثقافات المتعددة والذي يؤدي إلى التنمية البشرية: تقدم الطائفة اليهودية الأرض لمشاتل الأشجار التي يزرعها ويعتني بها المستفيدون المحليون – العائلات الزراعية – بدعم رأس المال من مصادر متنوعة، محلية ودولية على حدّ سواء.

في عام 2016 تم تسليم الأشجار الأولى من موقع اقريش التجريبي إلى الأطفال والمزارعين المحليين من قبل الطائفة الذي انضم إليه السفير الأمريكي في المملكة المغربية، دوايت بوش الأب. واستضاف في وقت سابق من ذلك العام السفير بوش حفل استقبال لمشروع بيت الحياة في مقر إقامته بالرباط تحدث فيه مستشار الملك، أندريه أزولاي، ومدير هيئة السلام في المغرب، إلين باكيت عن سنوات الفوائد التي وفرها المغرب لهذا العمل8.

يقع المشتل الثاني المقترح بجانب ضريح الحاخام دايفيد أو موشي- الذي يعود تاريخه إلى ألف عام -، في إقليم ورزازات في يناير 2018. وسيتمّ في السنة الأولى من المشروع تشييد المدرجات الزراعية. وستشتمل المساحة الجديدة الصالحة للزراعة على هكتار واحد وسينمو عليها 500000 بذرة من الشتلات العالية التي يبلغ طولها متر واحد من الجوز والخروب والتين والرمان والكرز واللوز.وستمنح هذه عند نضجها بدون مقابل إلى الجمعيات المحلية، خمسة آلاف أسرة فلاحية وألفي مؤسسة تعليمية. وبعض هذه الأشجار سيتم تخصيصها لمعالجة التآكل و التعرية المدمر الذي يصيب المنطقة المحادية. وبالتعاون مع الشركاء، ستقوم مؤسسة الأطلس الكبير HAF بمراقبة نمو الأشجار كجزء من تأمين ائتمانات الكربون، وسيتم استثمار عائداتها في المزيد من زراعة الأشجار.

 

إن تكاثر المشاتل عبر مئات من قطع الأراضي المجاورة للمواقع في جميع أنحاء البلاد من شأنه أن يولد عشرات الملايين من الشتلات والنباتات كل عام وحياة أفضل للملايين من الناس. ويمكن للمبادرة أن تكون مشاريع ملهمة في الشرق الأوسط مع الجمع في التعاون بين المسلمين واليهود والشراكات المحلية والدولية والقطاعين العام والخاص.والجالية اليهودية في القاهرة تضم الآن ستة أعضاء فقط، ونهجهم الاستراتيجي للحفاظ على مقابرهم القديمة هو تعزيز تنمية الساكنة المحيطة بهذه المقابر. كما تم زيارة مشروع المشتل الثقافي المغربي من قبل جماعات فلسطينية وإسرائيلية، وتم التركيز عليه في وسائل الإعلام، ويمكن أن يوفر طريقا نحو تعاون مثمر وعميق فيما بين الثقافات. ***

إعادة إحياء حيّ الملاح بمراكش والإستفادة من التجربة في الصويرة

يشير المؤرخون إلى أن الملاح، الحي اليهودي في مراكش، ظهر لأول مرة خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر. ومن الجدير بالذكر أن ملوك المغرب يتوصلون إلى نظرة مستقبلية تحترم وتعزّز الإستمرارية اليهودية. ويعكس هذا الهوية الوطنية المغربية والمنظور العام للشعب. الملاح و المحافضة عليه ، بمفهوم ٍ ما، أمر طبيعي من ماضي المغرب وحاضره. وفيما يتعلق بالبعد الإنمائي البشري في إعادة تأهيل مراكش – حيّ الملاح، فإن المبادرة الأولية خدمت، إلى حدّ ما، كحافز إقتصادي من خلال الإستثمار في العمالة والمواد اللازمة لإعادة بناء وتعزيز أجزاء من الحيّ.

وبصفة عامة، فإن إعادة بناء البنية التحتية – إذا كانت تتضمن مجتمعات محلية وتضمين احتياجاتها الذاتية المحددة، بما يتفق مع النهج التشاركي – يمكن أن تؤدي بعد ذلك إلى تنمية بشرية قابلة للقياس. 9مع الأخذ في الاعتبار منظور التنمية التشاركية، هناك أسئلة يجب مراعاتها في حالة الملاح. فكم شارك من السكان المحليين وجمعياتهم في التخطيط لإعادة تأهيل الحي الذي يقيمون فيه؟ كم عدد السكان الذين شاركوا في تحديد أولويات المواقع المطلوب إعادة ترميمها ؟ هل كان للمقيمين صوت في خلق التصاميم الجديدة للمناطق العامة؟

كطريقة للمقارنة، في المدينة الساحلية المغربية الصويرة أدت الإجتماعات الشاملة للسكان المحليين والترميم الناجح في عام 2013 لمقابر الأديان الثلاثة وتعليم الشباب إلى تحفيز الجهود الجديدة لإعادة الكنيسة الفرنسيسكانية التي يعود تاريخها إلى ثلاث مائة عام. الفكرة المحلية هي أن الكنيسة المعاد بناؤها بدون طائفة محلية كبيرة حاليًا يمكن إعادتها كجزء من موقع اليونسكو للتراث العالمي وفقًا للنموذج المغربي للحفاظ على الثقافة. وفي الوقت نفسه، يمكن للكنيسة أن توفر مساحة ورش عمل للمجتمع المدني ومنطقة لعرض حرفه وابتكاراته. ويربط المشروع بشكل مباشر بين الحفاظ على الثقافة وتطوير برامج التنمية البشرية التي ستستمر بعد انتهاء إعادة الإعمار. ومن خلال استعادة الكنيسة وإعادتها بعد ذلك إلى المنظمات المدنية دعما لمهمتها وعملها، يقدم المغرب فرصة استثنائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للحفاظ على موقع تراث ثقافي وتلبية احتياجات التنمية اليوم بشكل أفضل.

 

أعطي مشروع تجديد الكنيسة المقترح للثقافة والمجتمع المدني زخما تنظيميا جديدا نتيجة لمشروع مؤسسة الأطلس الكبير لعام 2013 في الصويرة للحفاظ على مقابر الأديان الثلاثة. تم تمويل هذا البرنامج من قبل صندوق السفراء للمحافظة على التراث الثقافي و الصويرة موكادور. لقد دمج المشروع أكثر من 400 طالب وطالبة في أنشطة تعليمية وعملية حول المعرفة الثقافية التي تحتفظ بها المقابر المسيحية واليهودية والإسلامية، وعمل مع أكثر من 120 عضوًا في المجتمع المدني المحلي. هؤلاء الشركاء المحليون “يحافظون على ماضي الصويرة اللامع للأجيال القادمة” كما أوضح بريان شوكان، القنصل الأمريكي العام، في ختام المشروع 10، حيث أن ذلك قد جلب معه اعتبارًا جديدًا لاستعادة كنائس المدينة ومساجدها وزواياها ومعابدها اليهودية ومدارسها الدينية للمجتمع المدني والصالح العامّ.

 

ومن خلال تطبيق الدروس المستفادة من مشروع مشاتل الأشجار والحفاظ على المقابر ومبادرة الصويرة يتضح أن هناك حاجة إلى مشاركة أكبر بكثير من جانب المجتمع المحلي من أجل أن تكون استعادة الملاح في مراكش نعمة حقيقية للتنمية المستدامة. إعادة بناء الملاح لم تحدث بالتزامن مع مجموعة من اجتماعات التخطيط المجتمعي التي ربما شارك فيها الناس ووضعوا أهدافا ً لها. هذا المشروع لا يعكس التنفيذ المستمر المدفوع بالتضامن الإجتماعي المتزايد والفرص الجديدة التي تم تحديدها من قبل المجتمع. لا توجد مشاريع مباشرة أو غير مباشرة في الوقت الحالي تم اتباعها من المشاركة الواسعة للناس والتي تشكل المزيد من الحفاظ على التراث الثقافي والإستثمار التنموي. هناك عدد قليل ملحوظ من الجمعيات والتعاونيات المدنية المحلية. الناس بحاجة لمنظماتهم المحلية للعمل من أجل تنميتهم. وعلى أية حال، فإن الفرص والمجتمعات المحلية ترغب في تحليل وتحقيق الشيء الوفير للغاية. وهي الآن بصدد الإبقاء على زخم التخطيط وتنفيذ المشاريع والحصول على موارد لتكاليف المشاريع.

تيسير المشاركة المجتمعية في مراكش – الملاح

من أجل المساعدة في تحقيق تطبيق مستدام لنموذج المغرب للحفاظ على الثقافة والتنمية، نظمت مؤسسة الأطلس الكبير (HAF)، التي يوجد مقرها في مراكش، سلسلة من الإجتماعات المحليّة خلال صيف عام 2017 خلال شهر رمضان المبارك. وأثناء الإجتماعات الخمسة المحلية الأولى مع حوالي 250 رجل وامرأة، ممثلي المنظمات المدنية المحلية، تمّ تطبيق الطرق التشاركية لرسم الخرائط المجتمعية و تسير مصفوفة الاولويات او المقارنة المزدوجة ( PairWise). تساعد عملية رسم الخرائط الجماعية المشاركين على “بناء فهم مشترك لحدود وخصائص مجتمعهم أو حيهم وكيف يلائم الجميع ذلك”. وعمليات المقارنة المزدوجة ( PairWise ) أداة تساعد الناس المحليين على تحديد “حاجات مجموعتهم وتقييم ما هي الأكثر أهمية بالنسبة لهم.” وباستخدام هذه المنهجية المرئية، حسّن سكان الملاح قدرتهم على تحديد وتقييم حلول للمشاكل.

 

وكجزء من دمج المكون متعدد الثقافات في المبادرة، تم عقد أول اجتماعين محليين في الملاح خلال شهر رمضان المبارك (26 مايو إلى 25 يونيو 2017) في كنيس صلاة العزامة الذي عمره أربعمائة عام. وأقامت مؤسسة الأطلس الكبير شراكة مع جمعية ميمونة، وهي مجموعة من الطلاب المسلمين المغاربة الذين يعملون للحفاظ على تاريخ المجتمع اليهودي المغربي القديم. ساعد الشركاء على تنظيم الفطور للسكان المحليين الذي عقد في الكنيس. وتبع الفطور مشاركة سكان حيّ الملاح في طرق وأساليب التخطيط التشاركي لتحديد أهدافهم الإجتماعية والإقتصادية والبيئية الأساسية. ويتم عرض الإحتياجات ذات الأولوية التي حددوها في الجدول 1. وترميم مسجد محلي ونقله إلى المجتمع المدني قد يلبي بعضًا من احتياجات المجتمع العشرة الأولى من خلال إنشاء مساحة ثقافية وترابطية من أجل التعليم وبناء القدرات.

وفي نوفمبر 2017 قرر السكان المشاركون التركيز على الأولويات رقم 1 و 3 للمشروع المتمثلة في: خلق وظائف وفرص جديدة للنساء والشباب المحليين والتعبئة لكسب المزيد من وجود الشرطة والأمن، وخاصة في الليل. وتشمل خطوات تطوير المشروع التالية تحديد تصاميم مشاريع دقيقة – إلى جانب القيادة التقنية والمحلية – لتلبية هذه الأهداف. ومن هنا سيتم تقديم مقترحات مكتوبة ومشاركتها مع المكاتب الحكومية المحلية والإقليمية والمركزية ذات الصلة والمانحين المحتملين الآخرين.

الخاتمة

يقدم المغرب نماذج قوية ومثالية للنمو المستدام والمشترك مدفوعًا بالطريقة التشاركية. ولحسن الحظّ فإنّ النهج التشاركي مدوّن في قوانينه وسياساته وبرامجه. وعلى أية حال، غالبًا ما يكون تحديًا فعالًا لتحقيق تنفيذ واسع النطاق بشكل متفق عليه مع الرؤية التشاركية التي تم تحديدها لتوجيه مثل هذه الإجراءات. ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن المهارات اللازمة لتنظيم وتسهيل التخطيط التعاوني المحلي غير منتشرة بشكل ٍ كاف ٍ وهي موجودة أيضًا في إطار نظام شامل لعملية صنع القرار المركزي، وهو أمر في تحسن.

يحتاج المغرب إلى نموذج إداري ملائم للنهوض بالتنمية البشرية. فالجانب المركزي لنموذج جديد للتنفيذ هو تدريب أعضاء المنظمات المدنية والحكومة المحلية والمدرسين والمقيمين المحليين – أي أعضاء المجتمع الذين يتواصلون مع المجتمعات – في تسهيل الأساليب الديمقراطية التشاركية للتخطيط وإدارة المشاريع التنموية. وهنا يعتبر التدريب أكثر فعالية عندما يتعلم الناس من خلال العمل، من خلال التجارب التطبيقية13 . ويعد التعامل مع طلاب الجامعات في البيئات الفعلية أمرًا حيويًا بحيث يتسنى لهم تسهيل الأساليب التشاركية كنهج بحث ولتطوير المشروع. وهنا ُيستدل بأبحاث تشاركيات مؤسسة الأطلس الكبير مع سبع جامعات، الأولى في عام 2008 في كلية الحقوق في المحمدية ومفادها أن مهمة تنظيم اجتماعات الساكنة المحلية والمشاركة مستمرة. الدور المنسق الذي يقوم به طرف ثالث يحفز ويساعد على استمرار عمليات التنمية. ومع ذلك، يجب أن يتقلص هذا الموقف المهمّ مع مرور الوقت مع تولي القدرات المحلية المسؤولية.

المغرب بلد من الأمل بسبب تقاليده والتزامه بالتعددية الثقافية والإستدامة. بمعنى أن تحدي المغرب هو تحدي جميع الأمم التي تسترشد بالمثل العملية: تجسيد الضمير، التصرف، القيم التقدمية التي تهدف إلى رسم مسار للتنمية الوطنية الآن وفي المستقبل. ومع ذلك، وحتى مع هذه الفرصة الهائلة، إن لم تكن الفريدة، فإن التنمية الريفية المستدامة ناقصة وغير كافية عند معظم الأسر الزراعية في المغرب، هذا في حين أن هناك إمكانات طبيعية وبشرية كبيرة. إنها الأطر المغربية المتعددة – بما في ذلك الثقافية – التي تشير إلى الطريق التشاركي إلى الأمام حتى تتمكن المجتمعات المحلية من تخطيط المشاريع. فهل سيكون هناك تدريب وتمويل واسع النطاق لمساعدة المجتمعات على تحديد مشاريعها وإدارتها، لا سيما المناطق التي تعاني من صعوبات حقيقية والتي تكون بعيدة ؟ نجاح المغرب بهذه الطريقة له أهمية حيوية وحتى ملحة لنفسه وللإنتشار الإقليمي لهذه المبادئ في تنظيم المجتمع.

يوسف بن مير عالم اجتماع ومؤسس ورئيس مؤسسة الأطلس الكبير، وهي منظمة غير ربحية مغربية- أمريكية مكرسة نشاطها للتنمية التشاركية.

جدول 1 – أولويات مشروع سكان مراكش ملاح، 2017
1 . مشاريع جديدة مع شباب ونساء (بما في ذلك المطلقات)
2 . روضة تضم مساحات خضراء ومكتبة ومساحة للرياضة
3 . مركز للشرطة مع وجود مستمر
4. إعادة هيكلة المنازل (لتشمل أنابيب المياه)، والإسكان بأسعار معقولة
5 . عيادة صحية مع وجود منتظم للطبيب، وجناح للولادة
مع مركز لتأهيل المدمنين
6 . طريق سياحي يربط بين قصر لبدية و لميعارة
7.  دار الثقافة
8 . فتح مسجد مغلق
9 . تنظيم السوق و ابعاده عن المستوصف
10 . مقرّ للجمعيات للالتقاء والعمل
11. حمام تقليدي

 

المراجــــع:

 

  1. 1. أنظر الملك محمد السادس، “النص الكامل لخطاب الملك بمناسبة الذكرى الثالثة والثلاثين للمسيرة الخضراء”، مطابع المغرب العربي، 6 نوفمبر 2008. http://www.sahara-culture.com/Western-Sahara/Morocco -resolved إلى الانخراط في وخطيرة محادثات على اساس الحكم الذاتي كما هو والنهائي-حل للصحراء-النزاع، -king-322-736-1613.aspx

2 . الملك محمد السادس، “الرسالة الملكية للمشاركين في ندوة حول تحالف الحضارات”، مطابع المغرب العربي، 3 أغسطس 2008.

  1. لمزيد من المعلومات، انظر مولي مكلوسكي، “في ترميم المقابر اليهودية المغربية، الدعوات بين الأديان من أجل السلام”، عين الشرق الأوسط، 19 نوفمبر 2015.
  2. 4. لمزيد من المعلومات، انظر إدوارد باربييه، رأس المال الطبيعي، الندرة الإيكولوجية والفقر الريفي (واشنطن العاصمة: البنك الدولي، 2012).
  3. المرجع نفسه.
  4. ماثيو غرين، “كيف تجلب مقبرة يهودية قرية مغربية إلى الحياة”، عين الشرق الأوسط، 31 مارس 2016.
  5. 7. كاتي روماني، “إقراض الأراضي لتعزيز الحياة”، مجلة سكووب المستقلة، 8 أغسطس 2015.
  6. يوسف بن مير، “مشروع نموذج للمستقبل: الموقع: المغرب”، المنظور، 4 نوفمبر 2016.
  7. 9. انظر سوذير أناند وأمارتيا سين، “التنمية البشرية والإستدامة الإقتصادية”، والتنمية العالمية 28، رقم. 12، (2000): 2029–49.
  8. 10. بريان شوكان، “تقرير المؤتمر الختامي لمشروع مؤسسة الأطلس الكبير حول الحفاظ على المقبرة في الصويرة، “(الصويرة، المغرب: 1 أكتوبر 2013).

 

  1. أمانة البيئة الوطنية، جامعة كلارك، جامعة إجيرتون، ومعهد الموارد العالمية، دليل التقييم الريفي التشاركي (ووستر، ماجستير: أمانة البيئة الوطنية، جامعة كلارك، جامعة إجيرتون، ومعهد الموارد العالمية، 1991): 25.
  2. المرجع نفسه.
  3. 13. انظر جون كامبل، “التقييم الريفي التشاركي كبحث نوعي: التمييز بين القضايا المنهجية من المطالبات القائمة على المشاركة،” منظمة الإنسان 60، لا. 4 (2001): 382.

 

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت