نتابع بقلق و استغراب ما يصدر عن بعض وزراء و نواب من الاغلبية الحكومية من هجوم غير مفهوم و لا محسوب العواقب على أسرة التربية و التكوين ، عبر قرارات أو تصريحات أو اتهامات تنم عن عدم معرفة تامة بالمشاكل الحقيقية لما تعرفه المنظومة من ثغر و اكراهات و عراقيل ، والتي غالبا ما تكون من صناعة صاحب القرار المركزي ، او ملتصقة بالمساطر المالية المطبقة على المنظومة .
و حتى نفهم جيدا ما يحصل ، وجب ان نجيب عن أسئلة من مثل ، من أشرف على تدبير ميزانيات المخطط الاستعجالي ؟
و من يقرر في تعيين مدراء الأكاديميات و النيابات و رؤساء الجامعات و مؤسسات التعليم العالي ؟ و من اتخذ القرارات و القرارات المضادة أليس الوزراء ؟ و من كان يتدخل مباشرة في التدبير اليومي للجامعات و الأكاديميات ضاربا عرض الحائط المقتضيات القانونية و الدستورية لاستقلالية هاته المؤسسات؟ و من حرم الجامعات من 25 مدرجا مجمدا ميزانياتها ؟ من اربك المنظومة بالمشاريع الفاشلة التي أعادت المنظومة إلى الوراء .أليس الوزراء ؟ من عطل الجامعات و الاكاديميات -بسبب الخلاف السياسي باطنا و معيار الاستحقاق ظاهرا – و مصالح الطلاب و الأساتذة و الإداريين لشهور ، أليس الوزراء ؟من شجع على التعدد النقابي في التعليم العالي بدعوى الديمقراطية .فصرنا لأول مرة في تاريخ التعليم العالي ببلادنا أمام نقابة يؤسسها حزب بعينه يدبر شؤون القطاع ، و بذلك تضيع مصالح و مطالب كل الفئات.أليس من هم مسؤولون على القطاع اليوم ؟ كيف لوزير ان يصدر حكم قيمة على اساتذة يصنفهم ضمن خانة اليسار ؟هل سخر معطيات وزارة الداخلية في الموضوع ؟ أم استمع الى تقارير مسؤولي القطاع؟ و في هاته الحالة قد يكون الصادر عنه هذا الحكم القيمي منتميا الى جهة ضد اليسار .؟ هل نسي المسؤولون أو تناسوا رجالات و نساء هذا الوطن من خريجي المدرسة و الجامعة العمومية و في مقدمتهم جلالة الملك محمد السادس ، الم يدرس في مدرجات جامعة محمد الخامس بكلية العلوم الإقتصادية و القانونية و الاجتماعية باكدال و ملحقتها بالمغرب العربي بالعكاري؟ الم يتلق المغاربة تكويناتهم على يد أجيال من خيرة أساتذة الجامعات و المدارس و الثانويات من امثال محمد جسوس و عبد القادر باينة و عبد الرحمان القادري و عزيز بلال و عبدالله العروي و فتح الله ولعلو و احمد العلوي و احمد المتوكل و عبد القادر الفاسي الفهري و احمد انتصار و عمر الفاسي الفهري و محمد عابد الجابري و محمد الحبابي و عبد الله شقرون و محمد بنشريفة و محمد سبيلا و محمد مفتاح و احمد المجاطي و بنعلي و محمد الحمار الكنوني و محمد برادة و التازي سعود و غيرهم كثير من نساء و رجال التربية و التكوين …
ألم يستقبل جلالة الملك مرات عديدة نساء و رجال التعليم العالي و وشحهم جلالته على عطاءاتهم العلمية في عدة مناسبات؟ فكيف لمؤسسة ملكية تشيد بالعطاء العلمي لتعليمنا العالي و في المقابل يختار البعض في المؤسستين التنفيذية و التشريعية ضرب كل جهود أسرة التربية و التكوين في الصفر بإصدار أحكام قيمة سلبية من مثل ” لا وجود في الجامعات لبحث علمي و لا هم يحزنون “. تناقض خطير بين المؤسسات الدستورية و هذا أمر يسيء للوطن .
الا يعلم منتقدوا المنظومة أن أكثر من 500 طالب مغربي يتفوقون في المدارس العليا بفرنسا مثلا و ان آخرين تفوقوا في اسبانيا و امريكا و كندا و المانيا و سويسرا و السنغال و روسيا و غيرها من الدول ؟ فلماذا هاته الحرب القذرة على منظومتها التربوية منذ سنوات .؟
التعليم العالي ،أيها السادة ، مجتمع يبلغ اعداده مليون و نيف من أساتذة باحثين و طلاب و إداريين حسب ما يلي : 12630 استاذا باحثا و مليون طالب تقريبا و 9560 موظفا ، عشيرة تضم كل الأجيال و كل الشرائح المجتمعية و كل الطبقات الاجتماعيةو كل التنوع الثقافي و المجتمعي .
و طبيعي ان يكون بيننا من قد لا يكون يستحق الانتماء لهاته العشيرة لعدة أسباب منها طريقة التوظيف و الالتحاق و الخدمات المقدمة خصوصا للطلاب و الموظفين .فلماذا كل هذا التحامل على منظومتها التربوية ؟ إن كان بهدف خلق صراع مفتعل بين القطاع العام و الخاص فهذا وهم مردود عليه ، لان أعداد تلاميذ و طلاب القطاع الخاص لم يتجاوز بكل أنواع الدعم المقدم له منذ سنة 2001 إلى اليوم 9 في المائة. و ان كان بهدف التصويب و التصحيح فالمقاربة خاطئة. و ان كان بهدف التحفيز فالأمر لا يكون كذلك . و يبقى نظريا -إن لم يكن كل ما سبق – أن تكون هاته الحملة المسعورة خدمة لقضايا أخرى لا تخدم الوطن في شيء ، و هذا أمر مستبعد عمن تصدر عنه هاته المواقف.
ان خدمة القطاع تبدأ أولا باختيار المسؤول عنه. و مع كل أسف لم توفق الجهات المسؤولة منذ سنوات خلت في اختيار الشخص المناسب الذي يعرف القطاع .
قطاع كل من تحمل مسؤوليته يبدأ من تحت الصفر ، علما ان الإمكانات المالية متوفرة و الطاقات البشرية الخلاقة مكون أساس للمنظومة .
فرجاء لا تجعلونا نكره المهنة التي اخترناها بحب و لا تجعلونا نندم عما قدمناه لوطننا و مجتمعنا . فانانيتكم تجاوزت كل الحدود ، فلا تغتروا ان كان الحظ حليفكم إذ تتواجدون بمواقعكم الآن و تعاملوا بلطف و احترام و تقدير مع مكونات أسرة التربية و التكوين لأنها الأصل الصافي المخلص للوطن فان تفرع عن الأصل فرع فاسد فالأصل عارف كيف يصحح الأوضاع عبر هياكل مؤسساته .
تحياتي الصادقة دفاعا عن أسرة التربية و التكوين من غذ أفضل .
*الاستاذ محمد الدرويش
الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي قبلا
رئيس جمعية الخدمات الاجتماعية للتعليم العالي و تكوين الأطر.