د محمد فخرالدين
قال الراوي :
فسار الامير طارق و خادمه فلاح أياما و ليال للبحث عن مهر فتون ، فبالقضاء و القدر التقيا بمعسكر السلطان الرشيد، و اذا بشخصين قد خرجا من السرادق الكبير، و كانا الرشيد و خادمه صبيح و الذي كان يقول له بعد حديث سابق :
ـ مولاي ، لا يجب ان تضيع خدمة الأمير عبد الوهاب، فإنه قوام الدين و سيف المجاهدين ، و لا تطع كثيرا القاضي عقبة ..
فأجابه الرشيد على ذلك قائلا :
ـ نعم صدقت و لا بد ان أعطيه من النوال ما يغنيه الى ولد الولد..
فلما سمع طارق كلام الرشيد و هولا يعرف من يكون ، قال :
ـ و ذمة العرب ما أخذت صداق فتون إلا من هذا .
ثم إن طارق أهمل الرشيد الى أن انبسط القمر، فلم يشعر إلا و طارق قد وقف عليه و السيف في يده، فضرب صبيح و أطار رأسه في الحال ،و أدار كثاف الرشيد بالحبال ، و الرشيد يصيح و يقول:
ـ يا هذا إن في أسري إتلاف المسلمين ،لأنني وزير أمير المؤمنين هارون الرشيد ،فقل لي ما تريد ..
قال طارق :
ـ اني في عشق و غرام و ابتليت بشر الأعمام، و قد طلب مني الكثير من الاموال .
قال له الرشيد :
ـ ردني إلى موضعي و أنا اضمن لك ما تريد و أزيد ، و أقسم لك على ذلك و لا أحيد .
قال طارق :
ـ لا آمن ان ترجع في كلامك و و يمين الغصب شرعا لا يجوز.
ثم إن طارق وصل بالرشيد الى حيه و مضاربه ، فلما سألوه عن حاله اخبرهم انه أسر رجلا يزن ـ كلما قطع عليه عمه ـ من الأموال .
أما ما كان من الرشيد فإنه أرسل في طلب الاموال ليفتدي بها نفسه فأرسلوها له في الحال ، فأعطاها لطارق الذي حرره من الأسر ..
فلما وصل الرشيد الى معسكره على سبيل الاستعجال و هو في غضب شديد ما عليه من مزيد ، طلب الأميرة ذات الهمة و عبد الوهاب بالحضور في الحال..
و لما حضرا بين يديه ،نظر الامير عبد الوهاب الى الخليفة فرآى قلقه فقبل الارض بين يديه ،و قال :
ـ يا أمير المؤمنين ما تأمر به يكون و ينفذ في الحال دون سؤال
فقال له الرشيد :
ـ أريد منك ان تشفي نفسي من فعلة طارق و النعمان .
فقال عبد الوهاب:
ـ السمع و الطاعة يا ملك الزمان ..
و ركب الرشيد في تلك الساعة هو و الأمير عبد الوهاب و الأميرة ذات الهمة و من معهما من الفرسان يقصدون النعمان ..
وركب أيضا النعمان في عسكره و خرج طارق الى الميدان و طلب الطعان، فجندل الاول و الثاني و الثالث الى أن أسره الأمير عبد الوهاب ساقه حقيرا مهانا ، و كذلك النعمان لم ينجو من الأسر الهوان .
فطلب النعمان الأمان ،و خرجت البنات و النسوان و الاماء و الصبيان ، هم يصيحون :الأمان الأمان يا ملك الزمان ..
فرق لهم قلب الرشيد و أعطاهم الامان و عفا عن النعمان و أطلق سراح الأمير طارق ،فذبحت الاغنام و مدت الأسمطة بالطعام و أكل الخاص و العام ، و تزوج طارق من ابنة عمه فتون و دام الفرح سبعة أيام ، وبعد ذلك سار الجميع الى مكة من أجل حج البيت الحرام ، ثم عاد الرشيد الى بغداد ..
و سار الامير عبد الوهاب و الاميرة ذات الهمة و ابو محمد البطال وطارق الحجازي لقتال امرأة فارسة تدعى القناصة كانت اعلنت على الخليفة العصيان .
و استغل عقبة انشغال الاميرة ذات الهمة و ابنها عبد الوهاب و البطال وطارق بن الحارث في حرب القناصة ، فأرسل إلى الخليفة يطلب نجدة جيوشهما من ملطينة ،و انطلت الخدعة على الخليفة فأرسل في طلب الجنود من مالطينة لإنقاذ عبد الوهاب و الاميرة ذات الهمة ، و كان هدف عقبة شيخ الأوغاد أن يفرغها من الاجناد ليحتلها الروم من جديد .
و كان عقبة شيخ الضلال يدعي الصلاح ويظهر الولاء للخليفة في بغداد،و يخفي ولاءه للروم فقد كان يتجسس لصالحهم ويخبرهم بأحوال المسلمين ، ويساعدهم سرا على احتلال التخوم .
اما ما كان من أمر القناصة فقد كان لها حصن شاهق عال البنيان، فلما ٍرأت جيش الاميرة قرب حصنها ، هجمت على الفرسان و أسرت عبد الوهاب و محمد البطال و عددا من الأبطال، فواجهتها ذات الهمة مواجهة الفرسان ،وجاولتها و فارقتها و لاصقتها كالثعبان ،و انتظرت غفلة منها فطعنتها في صدرها و أخرجتها هاربة من الميدان ،و حررت ابنها عبد الوهاب و البطال و خلصتهم من الأسر و الهوان ..