د محمد فخرالدين
عقد الوليد بن عبد الملك بن مروان اجتماعا سريا مع مقربيه من أجل خطة للتخلص ممن أصبح يهدد وجوده في الحكم ، فأشاروا عليه بضرورة انهاء مهمة الأمير مسلمة على رأس الجنود ، و التفريق بينه و بين قائده الصحصاح ..
فكان اول ما قام به الوليد هو عزل اخيه مسلمة من قيادة الجيوش حيث ولى احدا من أتباعه الخلص، أما الصحصاح فقد أغدق عليه من إكرامه و دعاه للعودة الى بلاده و أهله في أرض الحجاز، و شجعه على ذلك رغبة منه في إبعاده عن اخيه مسلمة.
عاد الصحصاح إلى الحجاز رغبة منه في رؤية زوجته و أولاده ، و لم تمهله المنية كثيرا فتوفى إلى رحمة الله فسبحان الحي الذي لا يموت،وقبل ان يموت اوصى لحفيدته الاميرة ذات الهمة فاطمة بنت ابنه مظلوم بالوصية التي أمره بها شيخ المغارة ،و ترك لها الوصية عند خادمه الامين معروف .
أما ولداه ظالم و مظلوم فقد كبرا، وتزوجا، فأنجب ظالم ولداً سماه الحارث ، وأنجب مظلوم بنتاً سماها فاطمة و هي التي ستعرف في ما بعد بالأميرة ذات الهمة ، و كان الإخوان مختلفان تماما في الطبع ، فظالم الاخ الأكبر كان قويا ، وحيدا في رأيه متحكما لدرجة الاستبداد ، لذلك استولى على حق اخيه مظلوم و سلبه منه بالغصب و الاحتيال .
قال الراوي :
بعد موت الصحصاح علم ظالم بوصية أبيه لابنة أخيه مظلوم و كونها موعودة بالانتصار ،ازداد حنقا على اخيه مظلوم و على ابنته فاطمة ،ثم ان أم فاطمة خافت عليها من عمها ظالم ، فهاجرت بها سرا الى قبيلتها في بلاد الشام ، و كتمت أمرها و نسبها عن العالمين أجمعين ، و كانت ترافقها مرضعتها ام مرزوق ، التي لازمتها في غربتها و قامت برعاية شؤونها ، و كان لها ابن اسمه مرزوق اشتغل منذ صباه في خدمة الاميرة الصغيرة و أمها .
و هكذا شبت فاطمة بعيدا عن قبيلتها وتربَّت في الشام على تعلم أساليب الحرب والفروسية و القتال ، و تعلم لغة العيارين و الشطار و كانت مولعة بجمع الاخبار عن الفرسان و الابطال ..
و لما اتمت فاطمة الاربع عشر سنة فاقت اقرانها في السباق ، و غالبت أقرانها في فنون الحرب و القتال، فغلبتهم جميعا و ازداد ولعها بما يجري في بلاد المسلمين من أخبار ، و اين وصلت المعارك و الحروب مع الروم و بيزنطة، خاصة و انها عاشت قريبة من الثخوم ..
قال الراوي :
نعم شبت فاطمة و صلب عودها و ازدادت قوتها و شجاعتها ، و في يوم من الأيام قررت أمها أن تخبرها بأصلها و قبيلتها و عن جدها الصحصاح بن جندبة ، و عن الوصية التي أوصى بها لها ، و لم تنس ان تحذرها من عمها ظالم ، فلما علمت بذلك اندهشت غاية الاندهاش و لم تصدق بادئ الامر انها من بني كلاب الذين ذاع صيتهم في البلدان و الاقطار قررت العودة إلى أهلها و الديار في الحال و سارت في الليل قبل النهار .
ولما علم عمها ظالم بعودتها إلى الديار ، زاد غمه خوفا من تحقق نبوءة أبيه الصحصاح ، و دفع ابن عمها الحارث بن ظالم الى طلب الزواج منها ، و لما تقدم إلى خطبتها رفضت ذلك مما جعله يزداد حقدا و حنقا عليها ..
أما ما كان من أمر الاميرة ذات الهمة فقد دأبت على التدرب على فنون الحرب كل يوم و تدريب الشبان و منازلة الابطال من مختلف الديار، ومدارسة القضايا ذات الاعتبار في التاريخ و المجال، و في ما جد في فنون الحرب و القتال ، فتطورت موهبتها في الريادة و صارت أكثر قدرة على الريادة ..
و في يوم من الايام جاء عندها رجل مسن فد انحنى ظهره هرما ، و اشتعل رأسه بالشيب ،و اخبرها أنه معروف خادم جدها الصحصاح ، و قال لها :
ـ يا فاطمة بل يا اميرة ذات الهمة اسمعيني جيد ،عندي سر لك أريده أن أقوله لك قبل ان أموت و لا اريد ان يطلع عليه احد غيرك ..
اجابت فاطمة :
ـ مسرورة بلقائك ايها الشيخ ، هذه فرصة سانحة لتخبرني عن جدي الصحصاح و بطولاته و كيف فتح القسطنطينة ، لقد اشتقت الى من يخبرني عنه ..