د محمد فخرالدين
قال الراوي :
قال الراوي كان الصحصاح قد احب ابنة عمه ليلى لكنه عندما طلبها من عمه اشترط عليه ابوها مهرا غاليا علم أنه لن يمكنه منه إلا الخليفة ، فأرجأ الامر الى حين الرجوع من المعارك و مفاتحة الخليفة في الامر المطلوب ..
هكذا انطلق مسلمة و الصحصاح من عاصمة الخلافة بدمشق على رأس جيش جرار لمقاتلة الروم والبيزنطيين، وكان سلاح الصحصاح الشجاعة و الإقدام والخبرة في إعداد الخرائط التي تصف الجزر والثغور والمسالك البحرية الصعبة التي تحيط بدار الإسلام..
و سارا بالجيوش في الليل قبل النهار حتى وصلا منطقة الثخوم فوجدا جنود الروم مستعدين للهجوم ، و قد عزموا على غزو أراضي المسلمين ، فحطا بجيوشهما غير بعيد ، و اشتبكا مع جند الروم ، و نزل الصحصاح الى الميدان و طلب الكفاح ، و الطعان بالسيوف و الرماح ، و استطاع أن يقهر فرسان الروم و يشتتهم على الثخوم ..
و لما رآى الاعداء ما حل بهم من الصحصاح و مسلمة ، و علموا بشراسة قيادة المسلمين ، طلبوا الانفصال و المهلة في القتال لأيام و ليال …
و في السر امر قائدهم ويلييم بالاتصال بالجواسيس في بلاد الاسلام لرصد حركاتهم و الاعلام بوقت التدخل لشل حركة الصحصاح و بذلك تنهزم جنود المسلمين و تفتر عزيمتهم ..
اما ما كان من أمر الصحصاح فقد كان أعد العدة لكل أمر محتمل ،و لما اعلن الانفصال في الحرب و القتال ،خرج لاستكشاف الارض و إعداد خطة الهجوم و معرفة ما استجد من الأمور على الثخوم ،فتسلل الجواسيس و اخبروا العدو بخروجه ، فترصدته كتيبة مدججة بالسيوف و الرماح مدربة على مثل هذا الكفاح ..
أما الصحصاح فقد جعل فرقة من الجيوش تسير وراءه مخفية تتابعه عن قرب، فما ان وصل المرتفع التي يرقب منها العساكر و المسالك وقد حمل معه لوازم العمل ، طلب من مساعديه مد الألواح ،و ان توضع أمامه لوازم الرقش و الرسم ، و بدأ يعد الخرائط بدقة و عناية و يلاحظ ما استجد ،و هي المهمة التي درب عليها و ألفها ، و التي تعلمها من أحد أسرى الروم المهندسين ، و كان يساعده في ذلك احد خلصه ممن خبروا معه الدروب و الحروب و خادمه الأمين و أمين سره معروف..
و بينما هو منهمك في اعداد خططه و هو يفكر في الطريقة التي سيهاجم بها الروم ،و اذا به يسمع جلبة الكتيبة المهاجمة من جيوش الروم ، فعلم بالخدعة و صاح بالإشارة المعلومة ..
و ما أن دوَّى صوته عالياً ، حتى أحاطت فرقة مدربة من جند المسلمين بالأعداء، فوقع الهلع في قلب القائد الرومي المكلف بالاغتيال ، فولى هاربا تتبعه جنوده ، بعدما عملت فيهم سيوف الأمير الصحصاح ومسلمة ما عملت و تساقطت الرؤوس الواحدة بعد الأخرى.
و كان معهم شخص ملثم يقودهم و يطلعهم على احوال جند المسلمين …
و لما رآه الصحصاح علم انه هو الجاسوس المتآمر الذي أخبر بتواجده فعاجله بضربة أطارت راسه في الحال ، ومن قدَّر له بلوغ المرتفع من الأعداء تلقته سيوف الكتيبة التي سبق للصحصاح إعدادها، وكلفها بمراقبة ما يحدث خفية.
أكمل الصحصاح إعداد الخرائط والخطط وضعها في صندوق من صم الحديد ، و أغلقه بإحكام وأقام عليه الحراس ليل نهار في انتظار أن يواريه تماما عن الأنظار …
و في طريق الرجوع وصل الى واد غريب كأنه قطعة من رياض الجنة امر الجنود بالنزول ، و سار برفقة معروف حتى وصل الى مكان كانه قطعة من رياض الجنة ، و تراءت له مغارة رطبة الهواء ، فطلب من رفيقه انتظاره ، و انفرد فيها قليلا من الراحة ، و ما ان غفا قليلا حتى رأى شيخا ابيض اللحية يلبس ثيابا خضراء يتقدم نحوه و يقول له :
ـ يا صحصاح مرحبا في هذا المكان الذي لم يسبق أن دخله إنسان ، افهم الأمور سترزق من ذريتك فارسة لا مثيل لها تقارع الفرسان والشجعان و تحرر ثغور المسلمين من الظلم و الطغيان، و سيكون اسمها فاطمة بنت ابنك مظلوم و كنيتها الاميرة ذات الهمة ، فاترك لها الصندوق في هذا المكان و ارصده باسمها على طول الزمان، وأوصها أن تأتي الى هذا المكان وتنطق بنسبها إليك فستظهر لها المغارة في الحال ..
فلما استفاق الصحصاح و نظر حوله لم يعثر للشيخ على أثر فتعجب غاية العجب ،ثم إنه حمل الصندوق هو و معروف ، وعاد به الى المغارة و قام بوضعه في صدرها كما أمره الشيخ ، و جعل له تقييدا خاصا ليسلمه معروف إلى الأميرة ذات الهمة ..
و ما أن خرج حتى غابت المغارة و لم يعد لها أثر ، و لم يطلع أحدا على السر إلا امين سره و خادمه المخلص معروف ، الذي أقسم عليه أن لا يخبر احدا من العالمين ، الى ان يسلم تقييد الصندوق لمن لها الحق في ذلك ، حفيدته الاميرة ذات الهمة …