لعل المحرك الثقافي يظل قوة الدفع التي لا استغناء عنها لتأطير كل فعل سياسي يساري يقصد تعزيز آليات تحليل الواقع و تفكيك موازين القوى و امتلاك القرارات الرزينة القادرة على بلورة البرنامج المجتمعي المشترك من باطن التنظيم الحزبي الجامع للتفاعلات الفكرية العميقة. و حيث أن هذا التنظيم المأمول ينطلق وجوده وجوبا من إنماء الوعي المعرفي لأن البنية التنظيمية ليست إلا دالة مشتقة تجسد المنحى العملي و الميداني للفكرة المرجعية . فلابد من استنبات ثقافة تنظيمية تستند على قيم الديمقراطية و الحداثة و ترتكز على أسس الفكر الاتحادي اليساري من تحرير و اشتراكية ديمقراطية. وقد سبق أن شكل النضال الاتحادي في سالف مراحله علامة فارقة و أنموذجا يساريا بليغا في نشر ثقافة التحرر و العطاء و التضحية و التسامح مع تغليب مصالح الوطن على مصالح الذات الحزبية . وإذا كان حزب الاتحاد الاشتراكي يعيش اليوم على ضفة النقيض لكل ما سبق جرده ، إلا أنه من الاستحالة تجاوز عمق المبدأ القاضي بضرورة التشبث بالأمل مع العمل و عدم الاستسلام لليأس أو التيئيس مهما تعددت مصادرهما. لذا يظل الاقتناع بإلزامية انتعاش الوعي الثقافي داخل بنية العقل الاتحادي المدخل الكفيل لإعادة قراءة التجربة اليسارية الاتحادية و تنقيحها من شوائب المشاركة الحكومية التي أصابت البنية الحزبية بأمراض الانتهازية و التسيب و فوقهما الشلل الفكري الذي جعل المناضلات و المناضلين محاصرين بين الانبطاح التام لأجندة لوبيات المصالح الضيقة أو الركوع المذل أمام دوغمائية الحركات المؤدلجة للإسلام . وتبقى النتيجة الحتمية في الحالتين معا هي ضرب استقلالية القرار الحزبي و وأد الفكر الاتحادي المتنور بشكل جعل حزب الاتحاد الاشتراكي منفصلا عن حاضنته الثقافية و غارقا في مستنقع التنسيقات الانتخابوية دون قدرة على المصالحة مع هويته اليسارية و قواته الشعبية.
و من تم لا يمكننا التبشير بالرجة التنظيمية إن لم تسبقها الرجة المعرفية و الثقافية التي تكشف المستور ولا تستر العيوب ، رجة مستبصرة تقطع الطريق على خطابات التضليل و التمويه السياسوي الفارغ و تفتح الأفاق أمام كل الأجيال الاتحادية(منتسبين و متعاطفين) ، هذه الأجيال التي اجتنبت الممارسة السياسية رغم احتفاظها بمنسوب معين من الأمل في إنقاذ حزب القوات الشعبية من خطر الاضمحلال القاتل ، و كذلك تطوير الأداة الحزبية وفق منظور ثقافي متجدد يجعل من البنية التنظيمية فضاء و مجالا مشتركا يحتضن قيم التعايش و التبادل و الإبداع مع حسن تدبير الاختلاف .و هنا وجب التنبيه إلى أن إعلان موت حزب الاتحاد الاشتراكي هو مجرد شعار تبسيطي تضليلي ملغوم غرضه الحقيقي إجهاض آمال الجيل الجديد في تحرير الفكر الاتحادي اليساري من قبضة زمرة التسلط التنظيمي الحالي .
إن القصد المراد من هذا المقال ليس نثر الرثاء و لا نشر صكوك الاتهام، بل القصد تحفيز محمود لكل الحالمين بواقعية ، لكل الصادمين بثبات ، و لكل المقتنعين بأن الاستسلام للتسلط و خدام الكهنوت لم و لن يكون جزءا من ثقافة النضال الاتحادي السليم . فلنساءل ضمائرنا جميعا :
– أين السابقون بالفكر اليساري الوطني ؟!
– أين المسترزقون به ؟!
– ثم أين الساعون نحو تجدده ؟!
قد تتعدد الإجابات غير أن جواب ” أولاد الشعب” تلخيصه اعتراف بأن ماضي الاتحاد الاشتراكي درس وعبرة و أن المسترزقين أسقطتهم الإرادة الشعبية ، ثم أن تجدد الفكر الاتحادي اليساري هو معركة ثقافية بل إرادة عقل يساري جديد يحارب الإقصاء بالإبداع و يدفع اليأس بالأمل ،إرادة جيل جديد من القوات الشعبية له ما يكفي من القناعة و الاقتناع بأن الغد المشرق يصنعه الشباب اليساري الوطني المجدد المساهم و المبادر .
ذاك هو اختيار تيار”أولاد الشعب” المؤسس وفق إستراتيجية النضال الحداثي المتضامن التي تسمو فوق ضغائن السلوك الانتقامي الحاقد و تتجاوز تحقيق مكتسبات لحظية سرعان ما تتلاشى و تتفتت ، ثم تنتصر للاختيار الحداثي الشعبي الذي ينطلق من المصالحة مع الذات أولا و عدم الانسلاخ عن السياق الثقافي و الاجتماعي للجماهير الشعبية عند كل محاولة تحيين للفكر اليساري المغربي حتى لا ينتهي بنا المسار على هامش المجتمع . هذا الاختيار الشبابي سيظل حركة إزاحة معرفية فكرية و ثقافية مستقيمة لتنبيه الغافلين و تذكير الرفيقات و الرفاق – الذين قد تنفعهم الذكرى – بأن مدرسة الاتحاد اليسارية لازلت مستمرة في العطاء المتجدد حاملة لتطلعات القوات الشعبية بالتأسيس للاشتراكية المغربية الجديدة باعتبار أن البناء الاشتراكي ثورة دائمة ، و ليست الثورة الدائمة نتيجة محددة سلفا بل إمكانية موضوعية وشرعية وواقعية ، يتوقف انجازها على ما لا يحصى من العوامل الذاتية والأحداث غير القابلة للتوقع وفق شرح تروتسكي . ومنه نختم بالتأكيد على أن تيار أولاد الشعب ليس إلا قطرة ماء تسبق إعصار الجيل الجديد! ! !.
عبد المجيد مومر
شاعر
الرئيس المؤسس لتيار ” أولاد الشعب”