سعيدي عزيز
يقال في قواميس العلوم السياسية وأبجديات ممارسة السلطة؛ إذا أردت أن تعرف حقيقة أي شخص لا تنظر إلى سيرته وهو خارج دائرة السلطة وتاريخه النضالي في مواجهة الحاكم والمسؤول وإنما انتظر دخوله الحلبة واللعبة السياسيتين وتمكنه من ممارسة المسؤولية والسلطة لتكتشف حقيقته وصحة وصدق أقواله وتشبته بها.
ويقال كذلك بأن تقلد مناصب المسؤولية يسقط القناع عن صاحبه ويعري عورته أمام الآخرين، فكم من مناضل شرس للنظام وللسلطة ادار ظهره لمبادئه وأصدقائه، وكم من شخص نسي أصوله وتنكر لتاريخه بمجرد ولوجه لمنصب من المناصب العليا في هرم الدولة، وكم من يساري باع ايديولوجيته اليسارية مقابل المنصب، وكم من يميني محافظ انساق وراء السلطة واندمج في تيار الليبيراليين وتنكر لمبادئه المحافظة والهدف واحد: الاستمرار في المنصب واحتقار الآخرين والقطع مع تاريخه وما عاشه عندما كان خارج دائرة النفوذ والمسؤولية. عديدة هي الأقنعة التي سقطت عن أصحابها وعرت وجوههم أمام الشعب الذي ثار في وجههم وتفاجأ بعدما باعوا مبادئهم وتنكروا لماضيهم ولمطالب المواطنين بمجرد وصولهم لمناصب المسؤوليه، آخر هذا القناع، هو قناع السيدة شرفات أفيلال، الوزيرة في حكومة عبد الإله بنكيران، والمنتمية لحزب تقدمي اشتراكي يفترض أن يكون أقرب لهموم الشعب ، أبانت عن شجع كبير وعن احتقار واضح للشعب الذي وصفت مطالبته بإلغاء تقاعد الوزراء والبرلمانيين بالشعبوية بل ووصفت قيمة هذا التقاعد ب”جوج فرانك” مقابل ما يقدمونه خدمة للبلد، الأمر الذي أثار سخرية المغاربة الممزوجة بالسخط وعدم الإرتياح لما وصل إليه شجع هؤلاء في أعلى هرم الدولة .
شرفات أفيلال وهي تتحدث مدافعة عن زملائها في الحكومة والبرلمانيين باستهجان وباحتقار لقيمة التقاعد التي تقارب 8000 درهم، أبانت عن انفصام في شخصية السيدة الوزيرة ومعها الحكومة إذا ما عدنا لمواقف الحكومة التي تدعي المحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين وعن ارتياحها للمستوى المعيشي للمغاربة وخصوصا الذين يتقاضون الحد الأدنى للأجور بل وأقل من ذلك. فما تفوهت به السيدة أفيلال نموذج آخر لتعامل النخبة المغربية مع احتياجات المغاربة، ورفضها ومعها البرلمانيين التخلي عن تقاعدها أو عن جزء من أجرتها كوزيرة في إطار التضامن مع مكونات المجتمع المغربي يدل على أن أطماع هؤلاء لا تنتهي وأن هموم المغاربة في عمقها هي آخر اهتماماتهم وبأن خطابهم السياسي قبل ولوجهم لمناصب المسؤولية يتغير ويتأقلم كليا وجذريا مع واقعهم الجديد في مواقع المسؤولية الذي يفرض عليهم الإرتكان لمنطق التعامل حسب ما تقتضيه مسؤولياتهم حتى وإن كان ذلك يخالف ويتعارض مع مبادئهم وشعاراتهم عندما كانوا في المعارضة أو في مستويات أقل. فاليساريون انصهروا في بوتقة السلطة وانسلخوا عن ماضيهم، و”الإسلاميين” نزعوا عنهم جلباب المرشد والواعظ والفقيه وهرولوا خلف مغريات السلطة وتركوا ما بنوا على أسسه توهجهم وتعاطف المغاربة معهم ونسوا ما وعدوا به المواطنين بل وحولوا حياتهم لصراع دائم مع الغلاء وعدم الوضوح والانتظار المزمن للأسوء في ظل عدم اكتراثهم لمستوى معيشهم اليومي.
هي حكاية قديمة جديدة مع الأقنعة التي تسقط تباعا لمسؤولينا وتخلق الحدث بفضل الإعلام الذي أصبح يتابع كل صغيرة وكبيرة وخصوصا الإعلام البديل الذي أصبح له متابعوه بل وبات الخصم الشرس للروايات الرسمية في إعلامنا العمومي الرسمي. أمور تخلق لدى المغاربة إحساس بازدواجية مواقف هؤلاء التي تزيد في كره المغاربة لهم ولوعودهم ويزداد معها عمق الهوة التي تفصل بين المسؤولين في هرم الدولة والشعب.
شرفات أفيلال ليست الوحيدة ولا الأخيرة في مسلسل سقوط الأقنعة، وهي نموذج للمسؤول الذي كان يحترمه الناس وكان موضوه تنويه من العامة وفي رمشة عين تحول إلى سخرية وسخط الجميع عليه عندما ظهر على حقيقته وأبان أمام الجميع بأنه انتهازي واناني ولا يهمه غير مصالحه رغم ما يبديه من تعاطف مع مطالب الشعب وهمومه. في انتظار الحلقة المقبلة من الأقنعة التي تسقط تباعا عاشت جوج فرانك والله ينعل اللي ما يحشم.