مـحـمـد أقـديـم
أولا و قبل كل شيء يجب الإقرار أن مقاطعة الانتخابات رأي و موقف محترمين و حقّ طبيعي مكفول للجميع ، كما هو حق المشاركة في الانتخاب ، و بالتالي فأي مصادرة لهذا الحق موجبة للتنديد و الاستنكار، و لكنّ احترام رأي و موقف المقاطعين لا يمنع من نقده و نقضه و الكشف عن التناقض الفجّ الذي يخترقه ، و يجعله مهزوزا منخورا. و لو كان موقف المقاطعة فعّالا و ناجعا في الضغط على المخزن قصد دفعه إلى تغيير سياساته، و ذو مردودية إيجابية على الشعب و المجتمع لكان موقفا سليما و مطلوبا.
علي المقاطعين للانتخابات أن يكونوا واقعيين و صريحين مع ذواتهم أوّلا، وأ لا يغطّوا الشمس بالغربال بكلام إنشائي مرصّع بمعجم “نضالي” متجاوز منذ عقود، كلام يحمل الكثير من التناقضات الفجّة ، و كلام منمّق يسعون به إلى طمأنة أنفسهم و إقناعها بفرقعات إنشائية قد تثير إعجاب صغار المبتدئين في النضال و السياسية . المقاطعون للانتخابات يبحثون و يلجؤون للحل السهل ، الحل الذي يلجأ إليه كلّ عاجز لا يُتقن إلا ” هريد النّاب” على كراسي المقاهي و في أزقة و وشوارع الفايسبوك ، و هذا الحل السهل هو موقف المقاطعة.
الواقع يكشف على أنّ المقاطعة للمخزن و مؤسساته و سياساته إذا لم يكم منها بدّ ، فيجب أن تكون شاملة أو لا تكون لتشكيل المؤسسات المنتخبة فقط ، و إنما يجب أن تكون مقاطعة “للمخزن” و مؤسساته المنتخبة من جهة و لمخرجاتها من المخططات و البرامج و القوانين و القرارات من جهة ثانية ، بدءا من الاستفتاء على الدستور إلى تنفيذ أخر و أصغر قرار أو خدمة تقدمها هذه المؤسسات و المرافق “المخزنية” حتى يكون موقف المقاطعين منسجما كلّيا مع مبادئهم. أمّا و أن نقاطع انتخاب المؤسسات التي تضع المخططات و البرامج و تشرع القوانين و تصنع القرارات، ثم نقبل بعد ذلك بمخرجات هذه المؤسسات و نعمل كموظّفين على تنفيذها في القطاعات الحكومية التي نشتغل فيها ، فهذا قمة التناقض والجبن و انعدام الجرأة النضالية و عدم الرغبة في التضحية بالمنصب و الوظيفة في سبيل المبادئ والشعارات نرفعها.
أعرف قياديا في تنظيم يقاطع الانتخابات مند وجد على الساحة السياسية ، و هذا القيادي مهندس في وزارة التجهيز و رئيس مصلحة من بين ما تشرف عليها “مشروع التيجيفي” أو القطار السريع ، و هذا مشروع لا أحد يشك في أن قرار انجازه قرار مخزني صرف، و صاحبنا يشتغل بما أوتيَ من خبرة و كفاءة لإنجاح هذا المشروع “المخزني” ، في الوقت الذي لا يكلّ و لا يملّ هذا القيادي المهندس و التنظيم السياسي الذي ينتمي اليه من ترديد سمفونية أن التّيجيفي مشرروع مخزني امبريالي. و أعرف قياديا يساريا في حزب مقاطع دائما للانتخابات ، يشتغل إطارا عاليا في مؤسسة معروفة للسلفات الصغرى، مؤسسة تنهب جيوب المغاربة الفقراء يوميا بفوائد تتجاوز فوائد البنوك بأضعاف مضاعفة ، و هذه المؤسسة تشتغل في إطار قانون وضعه البرلمان ، الذي لا يملّ صاحبنا المناضل القيادي في الدعوة الى مقاطعة انتخاباته.
ما يسري على هذين النموذجين الذين قدّمناهما ينطبق على المئات من الموظفين من هؤلاء الذين ينادون بمقاطعة الانتخابات ، و يمكن أن نقدم مثال آخر، إذ غالبا ما ينادي الكثير من المحامين الحقوقيين بمقاطعة الانتخابات التشريعية ، و لكنّهم لا يشعرون بذرة خجل عندما يلبسون بذلتهم المهنية و يرافعون أمام المحاكم بنصوص من القوانين الجنائية و التجارية و المدنية و الأسرية، و يسلكون المسطرة الجنائية و المدنية ، التي سنّ البرلمان، الذي يقاطعون انتخابه، معظم نصوصها. كما لا يجد هؤلاء المقاطعين للاستفتاء حول الدستور و انتخاب البرلمان أي حرج عندما يطالبون الدّولة للالتزام ببنود الدستور الذي قاطعوا الاستفتاء عليه، و يطالبونها بالالتزام بالقوانين التي سنّها البرلمان الذي قاطعوا انتخاباته، مع الإشارة الى أنّهم يطالبون بالمقاطعة، فلو كانوا ينادون بالتصويت بالرفض(لا) أو بالأوراق الفارغة لكان موقفهم مفهوما و رفضهم منطقيا، و موقفهم سليما، و لكنّهم ينادون بالمقاطعة، أي بعدم التسجيل في اللوائح الانتخابية و عدم الذهاب نهائيا الى صنادق الاقتراع، و ليس إلى التصويت بالرفض(لا).
أما غربال التّعلّات الذي يغطي به المقاطعون الشمس، و يطمئنون به أنفسهم، من قبيل القول بأن الوظيفة العمومية و المؤسسات التابعة للقطاعات الحكومية ( تعليم – صحة – سكن – تجهيز-إعلام – تشغيل- قضاء..)، هي مؤسسات في ملك الشعب و ليس المخزن ، و أن الوظيفة العمومية حق من حقوق المواطنة ، فينطبق كذلك على البرلمان، الذي بدوره مؤسسة للشعب و المجالس الترابية المنتخبة و الغرف المهنية بدورها مؤسسات للشعب، و الفرق بينها و بين القطاعات الحكومية و المرافق العمومية هو أنّ هذه الأخيرة تنفيذية و الأولى تقريرية و تشريعية. و مقاطعة المؤسسات التقريرية التي تضع المخططات و البرامج وتصنع القوانين و تتخذ القرارات ، ثم بعد ذلك القبول بمخرجاتها، و العمل على تنفيذها و تطبيقها في المرافق العمومية كموظّفين هذا هو منطق : ” الكلب حرام و فلوسو حلال”.
فالأَوْلى و الأكثر فعالية و نجاعة هو مقاطعة تنفيذ مخططات ّالمخزن” و برامجه في المرافق العمومية التي يشتغل فيها المقاطعون كموظّفين و أدوات تنفيذية، و يسخّرون كفاءاتهم و خبراتهم في إنجازها مقابل رواتب شهرية ، أما مقاطعة تشكيل المؤسسات التقريرية التي تضع تلك المخططات و البرامج و القوانين في ” الفوق” فلا معنى له بالمشاركة في تنفيذ مخرجاتها في “التحت” ، الا في حالة إذا كان المقاطعون يعتبرون تلك المخططات و البرامج و القرارات و القوانين جيدة وفي صالح المواطنين. إلا أنّ هذا سيضعهم في تناقض آخر ، و هو كيف يمكن لمؤسسات فاسدة و غير شرعية أن تضع مخططات و برامج و قوانين صالحة و جيدة .
الحاصول… على المقاطعين أن يكونوا جِرّيئين و قادرين على اتخاذ رأي سديد و موقف سليم للخروج من منطق : ” الكلب حرام و فلوسو حلال ” إمّا بالمقاطعة الشاملة لسياسة “المخزن” تقريرا و تنفيذا ، بالتضحية بمواقعهم الوظيفية في المرافق العمومية التي يقومون فيها بتنفيذ و تنزيل المخططات والبرامج “المخزنية” ليصبح “الكلب حرام و فلوسو حرام” ، أو أن يقبلوا بالمشاركة في انتخاب و تشكيل المؤسسات التقريرية و يشتغلوا في تنفيذ مخرجاتها كموظفين في المرافق العمومية ، ليكون ” الكلب حلال و فلوسو حلال”، أما الجمع بين “الكلب حرام” من جهة و “فلوسو حلال” من جهة ثانية ، فهذا لعمري قمة التناقض و الضحك على ذقون المواطنين.
بأنك في القطاع الحكومي الذي تشتغل فيه تقوم بتنفيذ سياسة المخزن التي تقررها أجهزته المنخبة (البرلمان و الحكومة) . هذا واقع لا يمكن أن تتملّص منه بالكلام الانشائي ، في وظيفتك تخضع لقوانين المخزن التي صاغها البرلمان الذي تقاطع انتخاباته، أحببت أم كرهتَ ، و في المنطقة التي تسكن فيها تخضع فيها للمقررات التي تتخذها البلدية التي تسكن في دائرتها الترابية ( التعبير – النظافة – الخدمات الادارية – البنيات التحتية) كن منطقيا و قاطع الجماعة بمقاطعة خدماتها و قاطع المخزن بعدم الخضوع لقوانين ه في الوظيفة التي تشتغل فيها … و إذا قمتَ بذلك فأنت مناضل بالفعل و ليس بالشفوي، مشكلتك و مشكلة غيرك من القاطعين للانتخابات هو أنّك لا تستطيع التضحية بعملك في تنفيذ سياسة المخزن في القطاع الذي تشتغل فيه موظّفا ،