د محمد فخرالدين
فمال الأبطال على الأبطال و الفرسان على الفرسان حتى ضاق على الخصوم الحال، و حل بهم الدمار فسارعوا إلى الفرار في البراري و القفار ،وولى بنو هلال يتعقبونهم حتى انمحت الآثار …
ثم عاد كل واحد إلى خيامه بعد قرع طبول الانفصال ، فبات الفريقان يحرس بعضهما البعض حتى الصباح ، و كان أول من نزل إلى الميدان الأمير ذياب الذي طلب الحرب والكفاح و مبارزة الفرسان بالسلاح ، فنزل إليه الأمير ناصر فأغار عليه في الحال و ضربه بالسيف و النصال ، حتى أصابه بالانذهال و سقاه كأس الوبال ،ثم نزل إليه العلام فقاتله شديد القتال ..
و في هذا الوقت نزل إليه أبو زيد و طلب قتاله خوفا عليه من ذياب لأنه كان يحبه محبة خاصة و لا يرغب في قتله ،وضرب رأس جواد العلام فأوقعه على الأرض، فأتي قومه و أركبوه جوادا آخر و بقيا على هذه الحال مدة عشرة أيام ، و كان أبو زيد كل يوم يقتل للعلام فرسا و يرميه أرضا،حتى ضجر العرب من قتالهما ،و لما افترقا جاءت الجازية و قالت له و هي غاضبة من أفعاله :
ـ لم هذه المطاولة يا أبا زيد و الإهمال ، و قد قتل منا الكثير من الرجال..
فلما فرغت الجازية من كلامها اجتمع عشرة من بني هلال و صمموا على قتل العلام في الحال ..
و في اليوم التالي نزل العلام إلى الميدان فنزل إليه أبو زيد على جري العادة بينهما ، فهجمت عليه بنو هلال و قتلوه بالرماح الطوال على وجه الاستعجال ، فحزن عليه أبو زيد،فلما علمت الفرسان بمقتل العلام شعروا بالانكسار ،و لم يعودوا قادرين على مواصلة القتال ،و تشتتوا في البراري و القفار و على الجبال و التلال ..
و اجتمعت سادة بني هلال للمشاورة ، فاتفقوا على الاستمرار في فتح البلدان ، ثم إنهم ركبوا الجمال و الخيول ،و اندفعوا مثل السيول ، و تقلدوا بالرماح و النصول..
و توجه أبو زيد إلى قابس ، و سار ذياب إلى كويج و أرسل كتابا إلى حاكمها و اخبره أن لا جواب الا السيف البتار واشتعلت بينهما الحرب و الخبار كل اشتعال ، وانطبقت الجيوش بعضها على البعض في الليل و النهار ، فلا ترى إلا النقع و الغبار، و السيوف و النصال ، حتى صارت القتلى كالتلال..
و لما انفصل الفريقان اجتمع ذياب إلى رجاله فنزلت إليه بنو هلال عازمين على القتال و المزيد من النزال ..
و نزل الوزير دهقان إلى الميدان و آباد الكثير من الفرسان وما زال يجندل فارسا بعد أخر من بني هلال حتى قتل خمسين فارس ..
و لما رآى ذياب تلك الحال صار الضوء في عينيه ظلاما انحدر إلى الميدان ،و نزل إلى الدهقان على سبيل الاستعجال ، و تجاول معه كل تجوال ، التصقا و افترقا واشتبكا و تعاركا ، و تبادلا ضربات متلاحقات إلى أن صرخ عليه ذياب صرخة أذهلته فباغثه بضربة من سيفه فقتله و عجل من الدنيا مرتحله ..
و في الغد نزل ذياب ليواجه الحاكم وائل و سحبا السيوف الصحاح ، و ما بقي بينهما مزاح ، و لعبا ألوانا من فنون الحرب الملاح ، حيرت الشيوخ و الشباب، و استمرت الحرب إلى أن زهقت الأرواح و اشتدت على الأنفس الأقراح ، و ما زالا في صيحات مرعبات و ضربات هائلات تعلمت منهما الفرسان أبواب الحرب و الطعان، حتى تبادلا الطعنات فكان السابق وائل الذي ضرب ذياب بالرمح فغطس تحت بطن فرسه الشهباء ،فراحت الضربة خائبة و ضرب ذياب وائلا بالسيف على هامه فحط رأسه قدامه ،فلما رآى الفرسان ما حل بملكهم ولوا الأدبار دون انتظار ..
و بعد دخول كويج استمر ذياب في محاربة من التقاه من حكام البلدان ، و دخل ذياب قلعة برج الدمع و جلس الكرسي و استلم الأموال، و استكمل الطريق إلى باقي البلدان إلى أن وصل الى برنيجة ،فأرسل يطلب عشر المال من حاكمها فلما وصل حاكم برينيجة زياد الخطاب أمر بدق طبول الحرب و نازله في الميدان فقتله ذياب، و ثنى بوزيره نافع واقتلعه من سرجه كأنه العصفور في يد الباشق الجسور ،فولى الباقي الأدبار و ركنوا إلى الفرار..
أما ما كان من أمر الأمير ذياب فدخل إلى البلد و احضر الأكابر و العمد ،و استلم الأموال و الذخائر، و جلس على كرسي المملكة، ثم سار إلى فتح البلدان حتى وصل إلى طنجة و كان حاكمها فارس صنديد ، سرعن ما طلب نزال فرسان بني هلال و سقاهم كأس الذل والهوان..
فلما أصبح الصباح ضربوا طبول الحرب و الكفاح و نزل ذياب إلى الميدان ،و سقى الفرس كأس الحمام فدخل البلد و خلص الأسرى و الولد ، و جلس على كرسي الإمارة واستلم الأموال و الذخائر و البشارة …