د. محمد فخر الدين
دخل الامير مفرج و ابنته على الأمير حسن فطيب خاطره و احترمه غاية الاحترام، و قال له :
ـ و حق الانام يصعب على السماع لهذا الكلام لانه يحرق فؤاد السامعين…
ثم أمر له بكيل من الطحين و أن يعود بابنته في الحين فرجع بالصبية و هو فرحان و عاد من حيث جاء…
فسبقه الامير حسن وركب و تزيا بزيه ووصل قبله ،و أعلم الأمير ابو زيد بما فعله ..
و لما وصل مفرج الى الخيام أعلم زوجته بما صار و كان ، و طلب منها ان تصنع العشا حتى يأكل الضيوف فقامت بصنع قرص من الخبز و قدمه مفرج الى الضيوف و هو فرحان ملهوف وقال بالترحيب :
ـ باسم لله تفضلوا و كلو و اعذروني عن القصور فاني و الله معذور
فقال ابو زيد :
ـ لو جلست معنا كنا في غنى عن هذا التعب لانه يوجد معي من الزاد مايسد رمق الفؤاد …
و افرغ ما في الخرج من الطعام ، فشكره مفرج و جلس يباسطهم بالكلام الى ان حان وقت المنام فتركهم و رجع الى فراشه و نام …
و لما طلع النهار ركبوا مطاياهم الى القفار و لما اقتربوا من واد سلامة سمعوا صياحا وضجيجا عظيما ..فتقدموا لمعرفة الخبر فوجدوا جمهورا من الرجال و الشبان و النساء و الصبيان و هم يصيحون بقلب موجوع من شدة الجوع ،و قد سالت على وجوههم الدموع …فتقدم اليهم الأمير حسن و فرق عليهم جوائز الإنعام و طيب خاطرهم بالكلام …
ثم ساروا الى المضارب و الخيام و استدعى اليه سادات القبيلة و اكابر الجماعة و جعلوا يتفاوضون في امر المجاعة ..
فاتفقوا على الرحيل بالأهل و العيال و أن يذهب ابو زيد الى بلاد المغرب و يبحث الأحوال و ياتيهم بحقيقة الاخبار …
فقال ابوزيد :
ـ كل ما استحسنتموه فهو جميل لكن المسافة هي بعيدة و احتاج ان يكون معي جماعة من سادات القبيلة …
قال ذياب :
ـ هذا امر من اسهل الامور فخذ معك ما شئت من الجمهور …
قال ابوزيد : متى طلع النهار يوفقنا الله لما يشاء و يختار
ثم عاد الى الديار و هو في قلق و اهتمام فقامت له زوجته على الاقدام و قالت له بكلام الدلال …و سألته عن الحال فاعلمها بما تم من الاختيار ..و كيف أجمعوا أمرهم على أن يرسلوه إلى تونس و أنه لا يوجد من يعتمد عليه في المؤانسة و المعاونة على مشاق الطريق …
فقالت له : أنا أرشدك إلى حيلة تجنبك هذا السفر الطويل و هو أنه عند الصباح تدخل على الأمير حسن ، و تطلب منه أن يرافقك مرعي و ويحيى يونس فإنهم من ابناء الاعيان ..
فاستصوب هذا الكلام و في صباح الغد حضر الى مجلس الامير حسن فالتقاه بالاكرام و قال له :
ـ أنا في اتم الاستعداد للذهاب الى تلك البلاد ..إلا اني اريد ان يكون لي رفاق و أصحاب من سادات الأعراب لان المسافة بعيدة و مشقات الطريق شديدة …
قال الأمير حسن : خذ معك من تريد من الفرسان الصناديد ..
قال : أريد أن آخد معي يونس و يحيى و مرعي فهم ممن يعتمد عليهم في الطريق ..
فاستعظم الأمير حسن هذا الطلب خوفا عليهم من العطب لكنه سمح لهم اخيرا ان ياخذهم معه و في اليوم الثالث تجهزوا للسفر و ركب الامير حسن في سادات القبيلة و أكابر الاعيان ..و ساروا لوداعهم ثلاثة ايام …