الاحتفالات الوطنية داخل الأحزاب السياسية بمراكش.. بين رفع الأعلام وإفلاس التأطير السياسي

الاحتفالات الوطنية داخل الأحزاب السياسية بمراكش.. بين رفع الأعلام وإفلاس التأطير السياسي

- ‎فيرأي, سياسة, في الواجهة
159
0

بقلم: نورالدين بازين

مع كل مناسبة وطنية، تتسابق الأحزاب السياسية، خصوصًا على المستوى الجهوي بمراكش، لتنظيم احتفالات يطغى عليها الطابع الاستعراضي أكثر من المضمون السياسي أو التأطيري. تتلون المقرات بالأعلام الوطنية، تُرفع الصور والشعارات، وتُنشر مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لتُظهر “الانخراط الوطني” للحزب ومناضليه. لكن التساؤل الجوهري يظل قائمًا: هل تعكس هذه الاحتفالات وعيًا سياسيًا ومسؤولية وطنية، أم أنها مجرد مشهد للاستهلاك الإعلامي؟

الغناء ورفع الأعلام.. غياب الفكرة والمضمون

في العديد من المقرات الحزبية، تتحوّل الاحتفالات إلى عروض استعراضية: أغانٍ وطنية تملأ القاعات، أعلام ترفرف في كل زاوية، وعدسات هواتف تتسابق لتوثيق “اللحظة الوطنية”.
لكن خلف هذا البريق، تختفي الأسئلة الكبرى: أين النقاشات السياسية؟ أين الندوات الفكرية التي تُعيد قراءة الأحداث الوطنية في سياقها التاريخي والسياسي؟ وأين دور الحزب في تأطير المواطن وإذكاء وعيه بقيم الوطنية الحقيقية؟

فالوطنية ليست أغنية تُردّد، ولا علمًا يُرفع في احتفال، بل فعل مستمر من الالتزام والفكر والممارسة.
حين يتحول الاحتفال بالمناسبات الوطنية إلى مناسبة للتسويق الحزبي، يُفرغ الحدث من معناه العميق. فبعض التنظيمات الجهوية لم تعد ترى في هذه المناسبات فرصة لبث روح الانتماء أو لاستحضار رموز النضال الوطني، بل منصة لالتقاط الصور وصياغة تقارير تُرفع للمركز الحزبي أو للجهات العليا على أنها “دليل على الانخراط الوطني”.

وقد لوحظ في جهة مراكش أن بعض الأحزاب تحولت إلى فرق استعراضية في المناسبات الوطنية، في حين تتوارى عن الساحة حين يتعلق الأمر بندوات فكرية أو لقاءات حوارية حول التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة.
هذا الإفلاس التكويني والسياسي يعكس خللاً بنيويًا في تصور الأحزاب لدورها الحقيقي، إذ يُفترض أن تكون مدارس لتخريج الكفاءات السياسية والفكرية، لا فضاءات للرقص والتصفيق.

الأخطر أن بعض الأحزاب أصبحت تستغل الرموز الوطنية لتلميع صورتها الانتخابية.
فبدل أن تُقدّم هذه المناسبات لحظة لتجديد العهد مع قيم المواطنة والعمل الجاد، يتم تحويلها إلى عرض سياسي موجه للاستهلاك الإعلامي، يُستخدم لاحقًا في تقارير حزبية كدليل على “النجاح التنظيمي والانخراط الوطني”، في حين أن الواقع يُظهر تراجعًا في التأطير وغيابًا في النقاش السياسي المسؤول.

فقد بات من الضروري أن تُراجع الأحزاب مقاربتها للاحتفالات الوطنية، وأن تنتقل من الاحتفال الشكلي إلى الفعل التربوي والسياسي. فالوطنية لا تقاس بعدد الأعلام المرفوعة، بل بعمق النقاشات التي تُزرع في عقول الأجيال الجديدة.
على الأحزاب أن تعود إلى جوهر دورها: تأطير المواطن، وتكوين مناضل يفكر قبل أن يصفق، ويقترح قبل أن يصوّر نفسه، ويخدم الوطن بالفعل لا بالشعار.

لقد آن الأوان لأن تتوقف بعض التنظيمات الجهوية بمراكش عن تحويل الوطنية إلى استعراض مسرحي. فحب الوطن لا يُقاس بعدد الأعلام التي تُرفع في القاعات، ولا بعدد الأغاني التي تُرددها مكبرات الصوت، بل بمدى قدرة الحزب على صناعة وعي جماعي مسؤول، وعلى إنتاج نخب تفكر وتناقش وتقترح.
إن التسابق نحو الكاميرات والتقارير الموجهة لن يصنع وطنية، بل يعمّق الفجوة بين الأحزاب والمجتمع، ويُظهر ضعفها البنيوي في التأطير والتكوين السياسي.
مراكش، كما باقي جهات المملكة، لا تحتاج أحزابًا تتباهى بالصور، بل تحتاج أحزابًا تُنير الطريق، وتعيد الثقة في الفعل السياسي، وتُخرج الوطنية من قاعات الغناء إلى ميادين العمل.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You may also like

مراكش تحتضن دوري الشطرنج احتفالاً بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء المظفرة

           هيئة التحرير بمناسبة