أنس غفاري
أثارت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية موجة استياء جديدة، بعدما قرّرت في آخر لحظة تغيير موضوع خطبة الجمعة التي كان مقرّرًا أن تُلقى في مختلف مساجد المملكة تحت عنوان «تجليات محبة الوطن من خلال المسيرة الخضراء المظفرة»، لتعتمد بدلًا منها موضوعًا آخر هو «وجوب تجنّب الإفساد في الأرض».
القرار، الذي صدر مساء الخميس أي قبل ساعات فقط من موعد الخطبة، أثار تساؤلات واسعة في صفوف الخطباء والمصلّين، واعتُبر من قبل كثيرين عبث يسيء إلى منبر الجمعة ، منتقدين ما اعتبروا تذويبًا للشخصية الدعوية للخطيب وتحويله إلى مجرّد موظف يقرأ ما يُملى عليه. ويرى مراقبون أن هذه الممارسات تُفقد الخطبة معناها التربوي والروحي، وتحولها إلى نشاط إداري يخلو من روح التفاعل مع واقع الناس.
الجدل المغربي هذا يتقاطع مع ما أظهرته دراسات أكاديمية في بلدان أخرى؛ إذ بيّنت بحوث حول فعالية الخطبة الموحدة في فلسطين وإندونيسيا وتركيا أن توحيد الخطبة قد يعزز الانسجام الرسالي لكنه يضعف التفاعل المحلي، خصوصًا حين يُفرض من دون إشراك الخطباء أو مراعاة الخصوصيات الاجتماعية للمصلّين.
وتشير دراسة بعنوان Mosque Sermons and Audience Receptivity إلى أن أكثر من 70٪ من الخطباء يختارون موضوعاتهم بناءً على حاجات مجتمعهم المحلي، ما يجعل النص الموحّد في كثير من الحالات أقل قدرة على التأثير والإقناع.
الحادثة الأخيرة، إذن، لا تعبّر فقط عن ارتباك إداري عابر، بل تكشف عن مشكلة أعمق في فهم وظيفة الخطبة: هل هي أداة مركزية لبثّ خطاب رسمي موحّد؟ أم منبر حيّ يعكس نبض الناس وأسئلتهم اليومية؟
وبينما تتواصل محاولات الوزارة لضبط الخطاب الديني ضمن رؤية موحّدة، يبقى التحدي الأكبر في الموازنة بين التوجيه المركزي وحرية الخطيب، حتى لا يتحوّل منبر الجمعة إلى صدى لقرارات متأخرة، بل إلى صوتٍ للعقل والدين في آنٍ واحد.