آسفي .. متحف عالمي طبيعي مفتوح على التاريخ يعاني التهميش

آسفي .. متحف عالمي طبيعي مفتوح على التاريخ يعاني التهميش

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
155
0

طارق اعراب

لطالما ارتبط اسم آسفي في المخيال العام بمدينـة الصناعات الكيماوية والفوسفاط، وبالميناء الذي يحتضن واحدًا من أكبر أساطيل الصيد البحري، حتى غطّت هذه الصورة النمطية على جوانب أخرى من هوية المدينة. صورة رسّخت لسنوات معاني التهميش البيئي والاجتماعي، وأقصت آسفي من أي تصور تنموي يليق بمؤهلاتها.

غير أن دراسة علمية حديثة، اطلعت عليها جريدة كلامكم، جاءت لتقلب هذه الصورة رأسًا على عقب، وتؤكد أن آسفي ليست مجرد مدينة صناعية، بل هي متحف طبيعي مفتوح على المحيط الأطلسي، يحكي قصة الأرض والإنسان على مدى أكثر من مئتي مليون سنة.

ثراء جيولوجي منسي

الدراسة، التي أنجزتها الباحثة زهور الرامي، العميدة السابقة لكلية آسفي، بمعية الأستاذ مصطفى الحاميدي، ونشرت في يناير 2025 بمجلة International Journal of Geoheritage and Parks، لم تكتف بعرض معطيات معروفة، بل قدمت تقييمًا علميًا دقيقًا يبرز أن إقليم آسفي يُعد واحدًا من أغنى الأقاليم المغربية جيولوجيًا.

وقد شمل البحث جردًا وتقييمًا لـ أحد عشر موقعًا جيولوجيًا داخل تراب الإقليم، إلى جانب فضاءات شاسعة مرتبطة به، من شواطئ ممتدة وكهوف طبيعية ومنحدرات ساحلية وأودية ومقالع قديمة، مستعملًا منهجية علمية متقدمة تقوم على خمس مراحل:

الوصف المورفولوجي والجيولوجي،

تحديد القيمة العلمية،

رصد القيم الإضافية (الجمالية، الثقافية، البيئية)،

إمكانية الاستعمال،

ثم التقييم السياحي والتربوي مع تحليل المخاطر.

أرشيف طبيعي يمتد لملايين السنين

وأظهرت النتائج أن منحدر سيدي بوزيد ومنحدر لالة فاطنة يمثلان أرشيفًا طبيعيًا نادرًا، يضم حفريات بحرية تعود للعصرين الجوراسي والطباشيري، أي إلى ما يزيد عن 150 مليون سنة. هذه الحفريات ليست مجرد صخور صمّاء، بل وثائق طبيعية حيّة تساعد العلماء على فهم كيفية تشكّل المحيط الأطلسي وتطور حوض البحر الأبيض المتوسط.

كما أبرزت الدراسة أن الكهوف الساحلية، خاصة بمنطقة كاب بدوزة، تحتفظ بشواهد جيولوجية استثنائية، إلى جانب قيم جمالية وسياحية يمكن أن تجعلها وجهة دولية للسياحة الجيولوجية والبحث العلمي، إذا ما وُضعت في إطار مشروع تنموي متكامل.

ثروة خارج دائرة الاهتمام

ورغم هذا الغنى الطبيعي والعلمي، ما تزال هذه المواقع رهينة رفوف الأبحاث، دون أن تجد طريقها إلى الاستثمار أو التثمين. وكما همّشت آسفي اقتصاديًا واجتماعيًا لعقود، فهي تُهمّش اليوم في مجال التراث الطبيعي.

إقليم بمثابة متحف عالمي

وأكدت الدراسة ، التي شملت أيضًا مناطق واسعة مرتبطة بمدينة ، من كهوف وطبقات صخرية ، وصولًا إلى شواطئ مثل الواليدية والصويرية، وهو ما يجعل الإقليم برمته متحفًا طبيعيًا عالمي القيمة يحتاج إلى التفاتة حقيقية من الدولة والفاعلين، من أجل تثمينه وإدماجه في مشاريع تنموية وسياحية كبرى.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

السعدي و”خرجة الخرجة”: قراءة ساخرة في شخصية “المصفق الرسمي”

بقلم: نورالدين بازين لحسن السعدي ما كيتركش أي