هيئة التحرير
انطلقت بداية هذا الأسبوع بمحكمة الاستئناف بفاس – قسم جرائم الأموال الابتدائي – أولى جلسات محاكمة 12 متهماً في ملف اختلاس وتبديد أموال الشركة الفرعية “العمران الشرق”، بينهم المدير العام السابق، والمدير المالي والتجاري، ومهندس، إلى جانب مسؤولين آخرين ومقاولين.
القضية، التي أحيلت على القضاء بعد تحقيقات استمرت لأشهر، تتعلق بتهم ثقيلة تشمل اختلاس وتبديد أموال عمومية، التزوير، استغلال النفوذ، والإخلال بالواجب المهني. وقد استأثرت الجلسة الأولى بمتابعة واسعة من طرف الرأي العام المحلي والوطني، بالنظر لحساسية الملف وارتباطه بإحدى أهم الشركات العمومية المفترض أن تكون رافعة للتنمية العمرانية بالجهة الشرقية.
ملف “العمران الشرق” بفاس ليس سوى حلقة ضمن سلسلة طويلة من قضايا مشابهة، سبق أن عرفتها شركات ومؤسسات تابعة لقطاع التعمير والإسكان في مدن كبرى مثل مراكش آسفي. هذه الملفات، التي تنوعت بين سوء التدبير والاختلاس والتلاعب في الصفقات العمومية، تكشف عن ثغرات عميقة في أنظمة المراقبة والحكامة داخل مؤسسات يفترض أن تؤدي أدواراً تنموية كبرى.
القاسم المشترك بين مختلف هذه القضايا هو تعريض المال العام للنهب والضياع، في وقت تحتاج فيه الجهات المغربية إلى استثمارات قوية في البنية التحتية والسكن الاجتماعي وتوفير الخدمات الأساسية. ويطرح هذا الوضع تساؤلات حادة حول مدى نجاعة آليات الرقابة الداخلية والخارجية، وحول الدور الفعلي لمجالس الإدارة والهيئات الوصية في الحد من هذه الاختلالات.
المحاكمة الجارية بفاس أعادت إلى الواجهة النقاش حول ضرورة ترسيخ مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ليس فقط عبر معاقبة المتورطين بعد وقوع الاختلالات، بل من خلال بناء منظومة وقائية تعتمد الشفافية، وتمنع تضارب المصالح، وتشدد على الحكامة الرشيدة كشرط لأي مسؤولية إدارية أو تقنية.
في انتظار ما ستكشف عنه جلسات المحاكمة المقبلة من تفاصيل دقيقة حول حجم الاختلاسات والتلاعبات، يترقب الرأي العام ما إذا كانت هذه المحاكمة ستشكل منعطفاً حقيقياً في مكافحة الفساد داخل قطاع التعمير والإسكان، أم أنها ستبقى مجرد حلقة إضافية في مسلسل طويل لم يصل بعد إلى نهايته.
