نجاح الموهوم: عبثية الخطاب السياسي جماعة العرائش نموذج ! 

نجاح الموهوم: عبثية الخطاب السياسي جماعة العرائش نموذج ! 

- ‎فيرأي
736
التعليقات على نجاح الموهوم: عبثية الخطاب السياسي جماعة العرائش نموذج !  مغلقة

بقلم : عبدالقادر العفسي

 

 تتسارع وتيرة الأحداث، وتتحرش أمواج الواقع مع رغبات التجميل والتزييف، يبرز إلى السطح خطاب سياسي يثير الدهشة بقدر ما يثير السخرية، فبينما تتخبط المدن في وحل التحديات اليومية، وتئن البنى التحتية تحت وطأة الإهمال، يخرج علينا من يدعي “النجاح”، لا بل “أنجح المجالس”، وكأن الواقع مجرد لوحة فنية قابلة للرسم والتلوين حسب أهواء الرسام.

 

 في هذا المقال، سنخوض غمار تفكيك هذا الخطاب، مستلهمين من عمالقة الفكر النقدي الذين لم يخشوا يوما مواجهة العبث بالتحليل، والزيف بالسخرية، والادعاء بالحقيقة، من “حنة آرنت” التي كشفت عن طبيعة السلطة، إلى “سيمون فايل” التي حللت الاضطهاد، مرورا ب”رولان بارت” الذي فكك الأساطير، و “ميشال فوكو” الذي عرى آليات المعرفة والسلطة، وصولا إلى “جان بودريار” الذي أعلن موت الواقع في عصر المحاكاة، سنمضي في رحلة نقدية لاذعة، لنسلط الضوء على “النجاح” المزعوم لمجلس جماعة العرائش، ولنفرغ تصريحات السيد رشيد ركراك ومقال حزب الأصالة والمعاصرة عبر السيد عبدالمؤمن الصبيحي من محتواها، كاشفين عن الفجوة الهائلة بين الخطاب والواقع، بين الوهم والحقيقة.

 

خرج علينا السيد “رشيد ركراك” ليس ببعيد ، المفوض له بقسم الأشغال بجماعة العرائش، بتصريح يندرج في خانة “الفنتازيا السياسية”، حيث يصف مجلس جماعة العرائش بأنه “من أنجح المجالس في جهة الشمال بكاملها”، هذا الادعاء، الذي يفتقر إلى أي سند واقعي أو مؤشرات أداء قابلة للقياس، يذكرنا بتحليلات حنة “آرنت” حول طبيعة السلطة التي تميل إلى الانفصال عن الواقع وتكوين عالمها الخاص من الخطابات والمظاهر.

 

 فالسلطة، في نظر “آرنت”، ليست مجرد سيطرة، بل هي قدرة على الفعل المشترك، وهو ما يبدو غائبا تماما في هذا السياق، حيث يقدم “النجاح” كحقيقة مطلقة لا تحتاج إلى برهان، وكأننا أمام مرسوم إلهي لا يقبل الجدل، ولعل الجملة الأكثر إثارة للسخرية في تصريح السيد “ركراك” هي قوله :”لو كنت أعرف أنني فاشل لقدمت استقالتي!!” هنا، يتدخل “ألبير كامو” بعبثيته المعهودة ليصف لنا هذا المشهد ، ففي عالم “كامو”، حيث العبث هو سيد الموقف، لا يجد المرء إلا أن يضحك من هذا المنطق المقلوب! فالفشل، في هذا السياق، ليس حالة موضوعية يمكن قياسها بالأداء أو رضا الساكنة، بل هو إحساس ذاتي، وكأن المسؤول يمنح نفسه صك البراءة بمجرد عدم شعوره بالفشل !.

 

إنها مغالطة منطقية بامتياز، حيث يحول غياب الإدراك الذاتي للفشل إلى دليل على النجاح، في تجاهل تام للواقع المرير الذي يصفه المواطنون في تعليقاتهم، فالتعليقات على هذا التصريح، والتي تمثل صدى الواقع، ترسم صورة مختلفة تماما:”اشمن مشروع لي ناجح تأهيل شارع الجيش الملكي لي مور ما تم الافتتاح ديالو بشهر بحال ضربو زلزال” و “لا تأهيل شرفة الأطلسية لي رجعتوها صحراء قاحلة” و ” عاد طوبيسات الخردة لي ديما محروقين بناس ومكينش بديل كيرجعو يركبو فيهم، خس إعادة نظر فطريقة تسيير راها فاشلة قالك انجح مجلس حشومة تقولها…” ! هذه الكلمات و غيرها الكثير ، التي تخرج من صميم المعاناة اليومية، هي بمثابة صفعة على وجه الخطاب الرسمي الذي يحاول تجميل القبيح !.

 

هنا، يمكننا استحضار “سيمون فايل” ونقدها العميق للهياكل الاجتماعية والسياسية التي تنتج الاضطهاد، فالمواطن، في هذا السياق، ليس مجرد رقم في إحصائيات “النجاح” المزعوم، بل هو كائن يعيش تحت وطأة فشل إداري يتجلى في أدق تفاصيل حياته اليومية، من الشوارع المحفرة إلى وسائل النقل المتهالكة…إن ما يصفه السيد “ركراك”بـ”الكثير من المشاريع”،

يتحول في عيون الساكنة إلى “الشرفة الرمادية الطائرة”، و “استقبال العديد من المختلين عقليين في المدينة دليل على حسن الضيافة”، و الازبال المتواجدة في كل مكان دلالة على اعادة التدوير”، و”المياه العادمة التي تصب في الماء الجديد لتغيير لون البحر ليناسب الشرفة الرمادية”، هذه التعليقات الساخرة، التي تتجاوز مجرد النقد لتصل إلى مستوى التهكم اللاذع، هي خير دليل على أن خطاب “النجاح” الرسمي قد فقد أي مصداقية في الشارع، إنها تعكس ما أسماه “رولان بارت” بـ”الأساطير الحديثة”، حيث تحاول السلطة خلق أسطورة للنجاح من خلال تزييف الواقع، ولكن هذه الأسطورة سرعان ما تتفكك أمام مرآة الواقع الذي لا يرحم.

 

وبأسلوب “ميشال فوكو”، يمكننا أن نحلل هذا التصريح كجزء من “خطاب السلطة” الذي يحاول إنتاج “معرفة” معينة عن الواقع ، فالسلطة، في نظر “فوكو”، لا تمارس فقط بالقمع، بل أيضا بإنتاج الحقيقة وتشكيل الخطابات، هنا، يحاول السيد “ركراك”، بصفته جزءا من هذه السلطة، أن يفرض “حقيقته” عن نجاح المجلس، متجاهلا أي “معرفة” أخرى تنتجها الساكنة من خلال تجربتها اليومية، إنها محاولة لـ”ضبط”الواقع وتوجيهه بما يخدم مصالح السلطة، ولكن هذه المحاولة تصطدم بمقاومة شعبية تتجلى في السخرية والتهكم، مما يكشف عن هشاشة هذا الخطاب وقابليته للتفكيك .

 

ثم لا يقل مقال حزب الأصالة والمعاصرة، الذي يحمل عنوان “سؤال/ جواب” مع السيدعبد المومن الصبيحي، رئيس مجلس جماعة العرائش، عبثية عن تصريح السيد “ركراك” ، فالمقال يغرق في أرقام “النجاح” المبالغ فيها، مدعيا أن مهرجان “صيف العرائش”استقطب 600 ألف زائر، وهو رقم يثير تساؤلات “نوربيرتو بوبيو” حول مفهوم”العدالة” و”التمييز السياسي” ، فهل العدالة تكمن في تضخيم الأرقام لتجميل صورة الواقع؟ وهل هذا التمييز بين “النجاح” المزعوم و”الفشل” الحقيقي يخدم المصلحة العامة أم يخدم أجندات سياسية ضيقة؟ إن هذا التضخم في الأرقام، الذي لا يستند إلى أي إحصائيات مستقلة أو منهجية علمية، هو بمثابة “محاكاة” للواقع، كما وصفها جان بودريار، ففي عصر المحاكاة، يصبح الواقع مجرد نسخة مشوهة من نفسه، وتصبح الأرقام مجرد رموز فارغة لا تحمل أي دلالة حقيقية، بل هي مجرد أدوات لخلق وهم “النجاح”.

 

إن التركيز على المهرجانات كـ”رافعة للتنمية المحلية”، وتجاهل المشاكل الأساسية التي تعاني منها المدينة، يذكرنا بنقد “موراي بوكتشين” للرأسمالية وتأثيرها على البيئة والمجتمع، فبدلا من الاستثمار في البنية التحتية، وتحسين الخدمات الأساسية، ومعالجة قضايا الفقر والتهميش، يتم توجيه الموارد نحو فعاليات ترفيهية قد تخدم مصالح فئة معينة، ولكنها لا تعالج جذور المشاكل، إنها “رأسمالية محلية” تركز على المظاهر والربح السريع، وتتجاهل التنمية المستدامة والشاملة التي تخدم جميع المواطنين ، وكأننا أمام مسرحية هزلية، حيث يتم تزيين الواجهة بينما يتهاوى البناء من الداخل.

 

أما الشكر الموجه لوزير الشباب والثقافة والتواصل صديقه كما ادعى ! وعامل الإقليم والأجهزة الأمنية والمؤسسات الداعمة، فهو يكشف عن طبيعة “النجاح” المزعوم، فلو كان المجلس ناجحا حقا، لما احتاج إلى هذا الكم الهائل من الدعم الخارجي، إنها محاولة لتبرير الفشل الذاتي بالاعتماد على الآخرين، وكأن المجلس مجرد دمية تحركها أيادي خفية! هنا، يمكننا استحضار تحليل “لوي ألتوسير” حول “أجهزة الدولة الأيديولوجية”، حيث تعمل جريدة حزب هذا الرئيس على نشر خطاب معين لتبرير أداء السلطة وتشكيل وعي المواطنين، وكأن هذا الدعم الخارجي هو دليل على “النجاح”، وليس دليلا على العجز.

 

إن هذا الخطاب الأحادي الجانب، الذي يتجاهل أي انتقادات أو مشاكل تواجه المدينة، هو بمثابة إعلان عن غياب “المجال العام” الحقيقي، الذي تحدث عنه “هابرماس”، ففي غياب الحوار البناء، والنقد الموضوعي، يصبح الخطاب السياسي مجرد أداة للدعاية والتضليل، ولا يعكس أي رغبة حقيقية في التغيير أو الإصلاح، إنها محاولة لفرض “الحقيقة” من الأعلى، وتهميش “الحقائق” التي يعيشها المواطنون في حياتهم اليومية، وكأن المواطن مجرد متلقي سلبي، لا يحق له أن يسأل أو ينتقد، بل عليه أن يصدق ما يقال له من “نجاحات” وهمية.

 

وفي هذا السياق، يمكننا أن نرى كيف يتم “ضبط” الواقع وتوجيهه بما يخدم مصالح السلطة، كما أشار “ميشال فوكو” ، فالمقال والحوار يحاولان بناء “معرفة” معينة عن المهرجان و”نجاحه”، متجاهلين أي “معرفة” أخرى تنتجها الساكنة من خلال تجربتها اليومية، إنها محاولة لفرض “حقيقة” واحدة، وتهميش “الحقائق المتعددة التي تشكل الواقع المعيش، وهذا “الضبط” لا يتم بالقوة المباشرة، بل يتم من خلال إنتاج الخطابات والصور التي تشكل الوعي وتوجه السلوك . 

 

ولكن، كما أظهرت تعليقات الساكنة، فإن هذا “الضبط” ليس كاملا، وهناك دائما مساحة للمقاومة والسخرية، التي تكشف عن هشاشة هذا الخطاب وزيفه،إن ما يثير الدهشة في هذا الخطاب السياسي، سواء من تصريح السيد “ركراك” أو مقال حزب الأصالة والمعاصرة، هو هذا الانفصال التام عن الواقع، فبينما يتغنى المسؤولون بـ”النجاحات” و”الأرقام  القياسية”، تصرخ الساكنة من واقع مرير يتسم بالإهمال وسوء التدبير، هذا التناقض الصارخ يدفعنا إلى استحضار مفهوم “الشمولية المعكوسة” الذي قدمه “شيلدون وولين” ، ففي هذا النوع من الشمولية، لا يتم القمع بالقوة الغاشمة، بل يتم من خلال تخدير الوعي وتشويه الحقائق، حيث يصبح المواطن جزءا من نظام يشارك في قمعه دون أن يدرك ذلك، إنها ديمقراطية شكلية تخفي وراءها استبدادا ناعماً، حيث يتم إفراغ المفاهيم من محتواها الحقيقي، ويتحول “النجاح” إلى مجرد كلمة جوفاء لا تعكس أي إنجاز حقيقي.

 

إن هذا “النجاح” المزعوم، الذي يتجاهل “الشوارع المحفرة” و”الأزبال المتراكمة” و”المياه العادمة”، هو بمثابة “محاكاة” للواقع، كما أشار “جان بودريار”، ففي عالم المحاكاة، لا يوجد أصل أو حقيقة يمكن الرجوع إليها، بل توجد فقط نسخ من نسخ، وصور من صور، وهكذا، يصبح “النجاح” مجرد صورة يتم تداولها في وسائل الإعلام، لا علاقة لها بالواقع المعيش!.

 

إنها “صورة” تهدف إلى إيهام الناس بأن كل شيء على ما يرام، بينما يتآكل الواقع من الداخل، وهذا ما يجعل خطاب المسؤولين أشبه بمسرحية عبثية، حيث يؤدي الممثلون أدوارهم بجدية، بينما يدرك الجمهور أن ما يحدث على خشبة المسرح لا يمت بصلة إلى حياتهم الحقيقية، ولعل ما يزيد من مرارة هذا المشهد هو هذا الإصرار على “النجاح” في وجه كل الدلائل التي تشير إلى الفشل ، هذا الإصرار يذكرنا بمفهوم “الشر العادي” الذي قدمته “جوديث شالكار” ، فالشر، في نظرها، ليس بالضرورة فعلا استثنائيا أو وحشيا، بل يمكن أن يكون عاديا ومألوفا، يتجلى في تجاهل معاناة الآخرين، وفي الإصرار على رؤية العالم من منظور ضيق يخدم المصالح الذاتية، إنها “شر” يتجلى في هذا التجاهل المتعمد للواقع، وفي هذا الإصرار على تزييف الحقائق، وفي هذا الاستخفاف بذكاء المواطنين، وهذا ما يجعل هذا الخطاب ليس مجرد خطاب ساذج، بل هو خطاب يحمل في طياته قدراً من “الشر”، لأنه يساهم في إدامة معاناة الناس وتهميشهم .

 

إن هذا “النجاح” الموهوم، الذي يتم تسويقه عبر وسائل الإعلام الرسمية، هو بمثابة “استعمار داخلي”، كما وصفه “فرانز فانون”، فبدلا من الاستعمار الخارجي الذي يفرض سيطرته بالقوة، نجد هنا استعمارا داخليا يمارسه المسؤولون على واقع المواطنين، من خلال تزييف الحقائق وتشويه الوعي ، وهذا الاستعمار الداخلي يؤدي إلى “اغتراب” المواطن عن واقعه، ويجعله يشعر بالعجز واليأس ، إنها محاولة لـ”ضبط” العقول وتوجيهها بما يخدم مصالح السلطة، ولكن هذه المحاولة تصطدم بمقاومة شعبية تتجلى في السخرية والتهكم، مما يكشف عن هشاشة هذا الخطاب وقابليته للتفكيك ، إنها “معركة” بين خطاب السلطة الذي يحاول فرض “حقيقته”، وبين واقع المواطنين الذي يصر على فرض “حقيقته” الخاصة، وهي معركة لا يمكن أن تنتهي إلا بانتصار الواقع على الوهم.

 

في خضم هذا السيل من “النجاحات” المزعومة، يبرز سؤال جوهري يتعلق بحقوق المواطنين وشرعية هذا الخطاب ، فإذا كان “رونالد دوركين” يشدد على أن العدالة تكمن في احترام الحقوق الفردية، فإن ما نراه هنا هو تجاهل صارخ لحقوق المواطنين في بيئة نظيفة، وبنية تحتية سليمة، وخدمات عمومية ذات جودة، إن النجاح الذي يتغنى به المسؤولون لا يمكن أن يكون شرعيا ما لم ينعكس إيجابا على حياة الناس اليومية، وما لم يحترم حقوقهم الأساسية في العيش الكريم،  فهل يمكن لمجلس يدعي النجاح أن يتجاهل صرخات المواطنين حول الشوارع المحفرة والأزبال المتراكمة؟إن هذا التناقض بين الخطاب والواقع يفرغ مفهوم “الحقوق” من أي معنى، ويجعل “العدالة” مجرد شعار أجوف .

 

أما “بيرنارد ويليامز”، بفلسفته الواقعية السياسية، فإنه يدعونا إلى التساؤل عن شرعية هذا “النجاح” المزعوم، فالشرعية، في نظره، لا تتحقق بمجرد الادعاءات، بل تتطلب أن يكون هناك قبول من قبل المحكومين، وأن تكون هناك استجابة حقيقية لاحتياجاتهم، فهل يمكن لمجلس أن يدعي الشرعية وهو يواجه هذا الكم الهائل من الانتقادات والسخرية من قبل الساكنة؟ إن “النجاح” الذي لا يراه المواطنون، ولا يلمسونه في حياتهم، هو نجاح بلا شرعية، وخطاب بلا مصداقية ، إنها محاولة لفرض واقع مواز، لا يمت بصلة إلى الواقع المعيش، مما يقوض أي أساس للثقة بين الحاكم والمحكوم.

 

من منظور “بيير فيليكس غوتاري”، يمكننا أن نرى في هذا الخطاب السياسي نوعاً من” السكيزوفرينيا”، حيث ينفصل الخطاب عن الواقع، وتصبح اللغة مجرد أداة للتضليل بدلا من أن تكون أداة للتواصل ، فالمسؤولون يتحدثون بلغة “النجاح” و”الإنجازات”، بينما يعيش المواطنون واقعا مختلفا تماما، هذا الانفصال يخلق حالة من الارتباك واليأس، ويجعل الناس يشعرون بأنهم يعيشون في عالمين متوازيين ، إنها “فوضى خلاقة”، ولكنها فوضى لا تؤدي إلى أي إبداع أو تقدم، بل تؤدي إلى مزيد من التدهور والعبث، وكأننا أمام مرض نفسي جماعي، حيث يتم تخدير الوعي بالخطابات الرنانة، بينما يتفاقم المرض في الخفاء.

 

أما “موراي روثبورد”، بنقده اللاذع للدولة والتدخل الحكومي، فإنه سيجد في هذا المشهد دليلا آخر على فشل الكيانات البيروقراطية، فالمجلس المحلي، في هذا السياق، يتحول إلى كيان غير فعال، مبذر للموارد، ومنفصل عن احتياجات الناس ، إن “النجاح” المزعوم لا يعدو كونه تبريرا لاستمرار هذا الكيان في الوجود، واستنزاف الموارد دون تقديم أي قيمة حقيقية، إنها دعوة صريحة لتقليل تدخل هذه الكيانات، وترك الأمور للمجتمع المدني والفاعلين الحقيقيين الذين يمكنهم إحداث فرق على أرض الواقع، فالدولة، في نظر روثبورد، هي كيان طفيلي، وهذا المشهد يؤكد هذه الرؤية، حيث يصبح “النجاح” مجرد غطاء لإخفاء الفشل الذريع.

 

في الختام، وبعد هذه الجولة النقدية في أروقة الخطاب السياسي لجماعة العرائش، يتضح لنا أن “النجاح” الذي يتغنى به المسؤولون ليس سوى سراب، و”الإنجازات” المزعومة ليست سوى أوهام، إنها مسرحية عبثية، يؤدي فيها الممثلون أدوارهم ببراعة، بينما يئن الجمهور تحت وطأة واقع مرير! إن هذا الخطاب، الذي يحاول تزييف الحقائق وتشويه الوعي، هو بمثابة دعوة إلى صحوة نقدية، وإلى رفض هذا “النجاح” الموهوم !.

 

فمن “حنة آرنت” التي علمتنا أن السلطة الحقيقية تكمن في الفعل المشترك، وليس في الخطابات الجوفاء، إلى “سيمون فايل” التي كشفت عن طبيعة الاضطهاد الذي يمارس على المواطنين، مرورا “برولان بارت” الذي فكك الأساطير التي تحاول السلطة خلقها، و”ميشال فوكو” الذي عرى آليات السلطة والمعرفة، وصولا إلى “جان بودريار” الذي أعلن موت الواقع في عصر المحاكاة، فإن كل هؤلاء الفلاسفة يقدمون لنا أدوات قوية لتفكيك هذا الخطاب الزائف، ولفضح عبثيته،إن المطلوب اليوم ليس مجرد نقد عابر، بل هو نقد سياسي عميق، لاذع، لا يخشى مواجهة السلطة بحقيقتها، ولا يتردد في كشف زيف ادعاءاتها ، إنها دعوة إلى المواطنين لكي يرفضوا هذا التخدير، وأن يصروا على واقعهم، وأن يطالبوا بحقوقهم ، فالمجلس الذي يدعي “النجاح” بينما تتهاوى المدينة، هو مجلس و السلطة الداعمة له لا يستحق سوى السخرية والتهكم، وهو مجلس يجب أن يواجه بحقيقة الواقع، لا بوهم الخطاب، فلتكن هذه المحاولة صرخة في وجه العبث، ودعوة إلى صحوة نقدية، وإلى بناء واقع جديد، واقع يقوم على الشفافية والمساءلة، وعلى احترام حقوق المواطنين، وعلى إنجازات حقيقية، لا على أوهام وادعاءات جوفاء ، فالمستقبل لا يبنى على الأكاذيب، بل يبنى على الحقيقة، مهما كانت مؤلمة.

 

 

يمكنك ايضا ان تقرأ

رسميًا: دخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ بالمغرب

طارق اعراب دخل اليوم الجمعة 22 غشت 2025،