العرائش”قنجاع”نموذجا : تشريح السلطة و أدواتها الحزبية والوهم في زمن الانهيار

العرائش”قنجاع”نموذجا : تشريح السلطة و أدواتها الحزبية والوهم في زمن الانهيار

- ‎فيرأي
5327
التعليقات على العرائش”قنجاع”نموذجا : تشريح السلطة و أدواتها الحزبية والوهم في زمن الانهيار مغلقة

بقلم:عبدالقادر العفسي

 

في متاهات الوعي الجمعي، حيث تتشابك خيوط الهيمنة والإدراك، يبرز المشهد العرائشي كنموذج صارخ لتشريح الأوهام التي تبنيها الأنظمة، والعوائق المعرفية التي تحجب الرؤية عن حقيقة الفساد المستشري ، إنها ليست مجرد حكاية عن مدينة تتآكل بفعل سوء التدبير، بل هي دراسة حالة عميقة لكيفية تغلغل السيطرة في نسيج الواقع، وكيف يتشكل الإدراك ويشوه ليخدم أغراضا خفية …

 

هنا، تتجلى المفاهيم الفلسفية لا كأدوات تحليلية فحسب، بل كعدسات مكبرة تكشف عن ديناميكيات القمع الخفي، وصراع الخطابات، وتهافت الأوهام التي يرتديها الفساد ثوب الشرعية ، في قلب هذا المشهد، يبرز اسم ابن العرائش “رشيد قنجاع”، الموظف العرائشي بإحدى مؤسسات الدولة بالرباط الذي تجرأ على كسر جدار الصمت، محولا اهتمامه بالشأن المحلي بالعرائش إلى فعل مقاومة معرفية ؛إن انتقاداته اللاذعة للوضع الكارثي، الناجم عن التدبير الفاشل والأحادي، لا تمثل مجرد رأي شخصي، بل هي بمثابة عائق معرفي يواجه الخطاب الرسمي للسلطة وأدواتها،هذا الخطاب، الذي يسعى جاهدا لفرض إدراك معين عن الواقع، إدراك مصمم لتجميل القبح وإخفاء الفشل، يجد نفسه أمام مرآة السيد “قنجاع” التي تعكس الحقيقة بوضوح . 

 

 فالسلطة و أدواتها الحزبية و جمعياتها الوظيفية ، في محاولتها الحثيثة للحفاظ على هيمنتها، تبني جدرانا من الأوهام المعرفية، تحجب بها الرؤية عن المواطن، وتصوغ واقعا بديلا يتناسب مع مصالحها،هنا! يصبح صوت “قنجاع”، الذي يزعجهم بحبه للعرائش، ليس مجرد صوت فردي، بل هو شرخ في هذا الجدار المعرفي، يدعو إلى قطيعة معرفية مع هذا الوهم السائد ! 

 

إن نواح و لطم المجلس الجماعي منه، وتصويره كـ مزعج هو سلوك قميء، ليست سوى محاولة يائسة لـ “ضبط الخطاب” وتصنيف “قنجاع” ضمن خانة المنحرف أو المشاغب، في محاولة لتقويض شرعيته وتأثيره، إنها لعبة “الإدراك-السيطرة” في أبهى صورها، حيث تستخدم المعلومات، أو بالأحرى تشويهها، كأداة للتحكم والقمع، وحيث يصبح الحب لمدينة العرائش تهمة تستوجب العقاب !

 

إن ظاهرة الفساد في العرائش، وتجلياتها في سلوكيات السلطة و أدواتها ، ليست مجرد انحرافات فردية، بل هي نتاج لشبكة معقدة من علاقات القوة والإدراك، التي تعمل على ترسيخ الهيمنة وإعادة إنتاج نفسها، عندما يرفض المجتمع المحلي، بكل وعيه وكرامته، محاولات المجلس والسلطة لـ تكبير نفوذهم وتوسيع سيطرتهم، فإن هذا الرفض لا يعبر عن مجرد معارضة سياسية، بل هو رفض “للإدراك-السيطرة” الذي تحاول هذه الجهات فرضه .

 

فالسلطة، في جوهرها، لا تكتفي بالقمع المادي، بل تسعى إلى تشكيل وعي الأفراد، وصياغة تصوراتهم عن الواقع، وإعادة تعريف ما هو صحيح وما هو خطأ، وحينما تفشل هذه المعرفة في تحقيق غاياتها، وحينما تتصدع شرعيتها في عيون الناس، تلجأ السلطة إلى آليات أكثر عنفًا وخبثًا، إن سلوكيات التحريض والشحن والتهجم على النساء اللواتي خرجن للتظاهر ضد هذا التدهور والفساد، هي تجليات صارخة للسيطرة الانضباطية، إنها محاولة يائسة لإعادة فرض السيطرة، ليس فقط على الأجساد، بل على الأفكار والخطابات !

 

 فالسلطة هنا لا تقمع الأفعال فحسب أو تكتفي بجنس محدد، بل تسعى إلى تشويه السمعة، وتجريد المعارضين من إنسانيتهم، وتحويلهم إلى أعداء يجب القضاء عليهم، إنها تستخدم الإدراك عن هؤلاء النساء، وتصورهن كـ مثيرات للشغب و عاهرات أو مخربات كأداة لشرعنة قمعها، وتبرير عنفها !

 

هذا السلوك يكشف عن هشاشة السلطة و أدواتها ، وعن خوفها من الحقيقة التي يكشفها الرفض الشعبي ، إنها تتمسك بواقعية و سردية ساذجة، ترفض الاعتراف بفشلها، وتصر على رؤية العالم من خلال عدسة مصالحها الضيقة، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات وتعميق الهوة بينها وبين المجتمع .

 

في خضم هذا الصراع، تبرز ظاهرة أكثر تعقيدا وخبثا: تلك التنظيمات التي تدعي مناهضة نظام الحكم ! وتتخذ من الشعارات الرنانة، كالدعوة إلى فصل المغرب عن جنوبه، ستارا لأجندات خفية، إن هذه التنظيمات، التي تبدو في ظاهرها معارضة، هي في حقيقة الأمر، وكما يكشف التحليل، ليست سوى آليات سيطرة خفية، تعمل على تشتيت الجهود الحقيقية للمقاومة، وتوجيه الخطاب المعارض نحو مسارات تخدم مصالح السلطة نفسها، إن حصول هذه التنظيمات على غطاء مالي من السلطة والمؤسسات المنتخبة، واستعانتها بـ أدوات رخيصة وتوجهات تدعي الشيوعية والتقدمة، لهو دليل قاطع على طبيعتها كـ أدوات للفساد والعمالة والتخادم !

 

 إنها ليست مجرد جماعات تابعة، بل هي جزء لا يتجزأ من شبكة “الإدراك-السيطرة” التي تعمل على إنتاج إدراك زائف، وتشويه صورة المعارضة الحقيقية بل حتى الاختلاف ككل، وخلق انقسامات مصطنعة داخل المجتمع، إنها تمارس نوعا من الرقابة الخطابية، حيث تسمح للسلطة بمراقبة وتوجيه الخطاب المعارض، وتفريغه من محتواه ، وتحويله إلى مجرد صدى باهت لأصوات السلطة .

 

 من منظور فلسفي، تشكل هذه التنظيمات عوائق معرفية كبرى أمام الوعي الحقيقي ، إنها تخلق أوهاما معرفية في المجتمع، حيث تقدم نفسها كبديل، بينما هي في الحقيقة جزء من نفس البنية التي تدعي معارضتها، إنها تحجب الحقيقة، وتضلل الرأي العام، وتعيق أي قطيعة معرفية حقيقية مع الخطاب السائد، مما يمنع المجتمع من الوصول إلى معرفة نقدية وواعية بآليات الفساد والهيمنة . 

 

إن هذه الأوهام هي التي تسمح للسلطة الفاسدة و أدواتها بالاستمرار في ممارساتها، وتضمن بقاء الوضع الراهن، في ظل غياب وعي جماعي قادر على التمييز بين الخطاب الحقيقي والخطاب الزائف،إن المشهد العرائشي، بكل تعقيداته وتجلياته، ليس مجرد حدث محلي عابر، بل هو مرآة تعكس صراعا أعمق بين قوى السلطة التي تسعى إلى الهيمنة والتحكم في الإدراك، وبين الوعي الجمعي الذي يتوق إلى التحرر والانعتاق .

 

 إن ما واجهه و  يواجهه رشيد “قنجاع”، وما تعانيه العرائش من فساد وتدهور، ليس سوى أعراض لمرض أعمق يتغلغل في بنية المجتمع والدولة، إن تجاوز هذا الواقع المأزوم يتطلب أكثر من مجرد إصلاحات سطحية؛ إنه يتطلب قطيعة معرفية حقيقية مع الأوهام التي تبنيها السلطة و اداوتها الفاسدة ، ومع الخطابات الزائفة التي تضلل الوعي، إنها دعوة إلى تفكيك آليات “الإدراك-السيطرة” التي تعمل على إنتاج الفساد وإعادة إنتاجه، وإلى كشف التنظيمات الزائفة التي تتستر خلف شعارات براقة لتخدم مصالح خفية.

 

 إن التحرر من هذه القيود المعرفية والسلطوية يبدأ بالوعي النقدي، وبالقدرة على التمييز بين الحقيقة والوهم، بين الخطاب الأصيل والخطاب المزور، عندها فقط، يمكن للمجتمع أن يبني إدراكا حقيقيا، وأن يمارس سيطرته بوعي، وأن يشق طريقه نحو مستقبل تتحرر فيه العرائش، وكل المدن، من قبضة الفساد، وتشرق فيه شمس الحقيقة على واقع جديد .

يمكنك ايضا ان تقرأ

كأس ضائعة وكرامة مجروحة.. هل أصبح المغرب كبش فداء في أعراس الكاف؟

هيئة التحرير في مشهد لم يكن متوقعًا، وبسيناريو