بوعلام صنصال… عندما يُسجن الأدب في زنزانة السياسة

بوعلام صنصال… عندما يُسجن الأدب في زنزانة السياسة

- ‎فيرأي
249
0

بقلم: نور الدين بازين

في سابقة تُعيد إلى الأذهان سنوات القمع الثقافي، حُكم على الكاتب الجزائري-الفرنسي بوعلام صنصال بالسجن خمس سنوات نافذة، بعدما وجّهت له السلطات الجزائرية تُهماً تتعلق بـ”المساس بالوحدة الوطنية” و”نشر معلومات كاذبة من شأنها الإضرار بالمصلحة العليا للدولة”. هذا الحكم، الذي أيدته محكمة الاستئناف مطلع يوليوز 2025، لم يكن مجرد قرار قضائي، بل فصلٌ جديد من رواية مؤلمة عنوانها: كيف تُصبح الكلمة جريمة؟

صنصال، الذي قضى حياته بين دفّات الكتب، يكتب عن الهوية والذاكرة والتاريخ، ويدعو إلى المصالحة النقدية مع الماضي الاستعماري والخيارات السياسية لما بعد الاستقلال، وجد نفسه فجأة في قفص الاتهام، لا لأنه مارس العنف، بل لأنه طرح أسئلة لم ترق للنظام.

لقد تحوّل الأدب إلى متهم، والكاتب إلى خطر وطني، والاختلاف إلى خيانة. هذه ليست فقط محاكمة لرجل في السبعين من عمره، يعاني من مرض السرطان، بل إدانة صريحة لحرية التعبير في بلد كان من المفروض أن يكون قد طوى صفحة الرقابة والتضييق.

اللافت في القضية أن صنصال لم يُدان بناءً على أعمال أدبية أو نشاطات سرية، بل على خلفية تصريحات إعلامية أدلى بها لإحدى القنوات الفرنسية، عبّر فيها عن مواقف نقدية للنظام الجزائري، وتحدث عن العلاقة المعقدة بين الجزائر والمغرب، مشيرا إلى ما وصفه بـ”الخطأ التاريخي في رسم الحدود”. مجرد هذا الرأي كلفه سنينًا في السجن، كأن التاريخ أصبح محجوزا حصريا للسلطة، ومن يختلف معها يصبح خصما.

من زاوية أخرى، لا يمكن فصل هذا الملف عن التوترات المتصاعدة بين الجزائر وفرنسا. صنصال يحمل الجنسية الفرنسية، وقد عبّرت باريس رسميًا عن قلقها، بل دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الإفراج عنه لأسباب إنسانية. هنا تتقاطع الثقافة مع السياسة، وتدخل الاعتبارات الدبلوماسية على الخط، مما يُعقّد القضية ويجعلها رهينة التجاذبات أكثر من كونها مسألة قانونية.

والأخطر من ذلك، أن محاكمة صنصال تتزامن مع حملة أوسع تستهدف الصحفيين والنشطاء والمعارضين في الجزائر، تحت شعارات مكافحة “الإرهاب المعلوماتي” أو “زعزعة الاستقرار”. فهل أصبحت الحقيقة تهمة؟ وهل صار الكاتب الجريء عدوا يجب تكميمه بدل الإصغاء له؟

من واجبنا، نحن المدافعين عن الحرية والكرامة، أن نرفض محاكمة الكلمة. فالقمع لا يصنع الأوطان، والتخوين لا يُنتج إلا المزيد من التشرذم والانغلاق. صنصال ليس مجرما، بل كاتب آمن بأن دوره هو الإضاءة لا التطبيل، النقد لا التهليل.

اليوم، وقد صار الحكم نهائيًا، فإن كل تأخر في الإفراج عنه هو إهانة للثقافة الجزائرية أولًا، وللضمير الإنساني ثانيًا. ما زال هناك بصيص أمل في عفو رئاسي، لكنّ الأهم أن تتحول قضيته إلى جرس إنذار: فحرية التعبير ليست منحة من الدولة، بل حق أصيل، لا يُقايض ولا يُسعّر.

إننا لا نكتب فقط دفاعًا عن بوعلام صنصال، بل دفاعًا عن كل فكرة حرة، عن كل كاتب يفكر خارج القطيع، وعن مستقبل لا يخاف فيه المواطن من أن يُسجن بسبب رأيه.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

فيديو . مسيرة احتجاجية لسكان دوار بومحراشة بالعزوزية بمراكش ضد الانقطاع المتكرر للكهرباء وصمت الشركة المكلفة

خديجة العروسي شهد دوار بومحراشة الواقع بمنطقة العزوزية