‏‎التعمير في المغرب: بين تحديث القوانين وتحديات الواقع

‏‎التعمير في المغرب: بين تحديث القوانين وتحديات الواقع

- ‎فيرأي
133
0

بقلم المهندس المعماري رياض السباعي

‏‎

‏‎يشهد قطاع التعمير في المغرب مرحلة مفصلية مع انطلاق خطة وطنية طموحة لتحديث المنظومة العمرانية. فقد أعلنت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان عن برنامج عمل يهدف إلى تسريع وتيرة إنجاز وثائق التعمير وتوسيع تغطيتها لتشمل 1353 جماعة ترابية، في خطوة تعكس إرادة قوية لتعزيز جودة الحياة والتنمية المستدامة داخل المدن المغربية.

‏‎هذه الخطة تتجاوز مجرد الإجراءات التقنية، إذ تراهن الدولة على تحديث شامل يلامس التشريعات، التخطيط الحضري، والرقمنة، مع التركيز على المدن الوسيطة باعتبارها رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية والجهوية. كما يجري العمل على إعداد مشروع قانون جديد لتبسيط المساطر، وتحيين المعايير لتتلاءم مع متطلبات العصر، خاصة في ظل الاستعدادات لتنظيم تظاهرات كبرى مثل كأس العالم 2030، ما يفرض ملاءمة القوانين مع الأوراش الكبرى والتحولات الاقتصادية.

‏‎ورغم هذه الدينامية، لا تزال هناك تحديات حقيقية على أرض الواقع، أبرزها تعقيد المساطر الإدارية، بطء معالجة الملفات، وانتشار بعض الممارسات المخالفة كالبناء بدون ترخيص أو تجاوز التصاميم الأصلية، وهي مخالفات يعاقب عليها القانون بشدة. كما يثير إلزام رؤساء الجماعات بالأخذ الحرفي بالرأي الاستشاري للوكالات الحضرية نقاشاً قانونياً حول توزيع المسؤوليات وفعالية الرقابة.

‏‎وفي خضم هذه التحولات، تبرز ضرورة تعزيز دور المهندس المعماري، عبر منحه صلاحيات أكبر في اتخاذ القرار الهندسي، وتحميله مسؤولية مباشرة في مراقبة الجودة والسلامة. فتمكين المهندس المعماري من ممارسة صلاحياته التقنية بشكل كامل، وتخويله سلطة اتخاذ القرار في كل ما يتعلق بجودة البناء وسلامته، من شأنه أن يرفع من مستوى الشفافية ويحد من مظاهر الغش والتلاعب، كما يعزز ثقة المواطن في القطاع العمراني.

‏‎في هذا السياق، يبقى المهندس المعماري في قلب منظومة التعمير، مطالباً بضبط كل تفاصيل المشروع من التصميم إلى التنفيذ، مع احترام صارم للقوانين وتحمل مسؤولية قانونية مباشرة. أما المواطن، فينتظر أن تترجم هذه الإصلاحات إلى واقع ملموس يضمن له حق السكن في إطار من الشفافية والعدالة.

‏‎إن نجاح ورش التعمير بالمغرب رهين بقدرة الدولة على تحقيق التوازن بين تحديث القوانين، تبسيط الإجراءات، وتعزيز الرقابة، مع إشراك كل الفاعلين وفي مقدمتهم المهندس المعماري في رسم معالم مدينة مغربية حديثة ومستدامة.

 

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

“سعادة المدير” تجرّ الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة إلى مساءلة إعلامية: الهاكا توجه إنذارا بسبب “تغليط الجمهور”

  خديجة العروسي وجهت الهيئة العليا للاتصال السمعي