أبعاد أزمة تفسير القرآن

أبعاد أزمة تفسير القرآن

- ‎فيرأي
216
0

 محمد بوفتاس

هذه الأزمة لها أبعاد متعددة، بدءًا من الأبعاد الفكرية والثقافية، وصولًا إلى الأبعاد الاجتماعية والسياسية. في الجانب الفكري، نجد أن التباين في الخلفيات الثقافية والفكرية يعزز من الاختلافات في تفسير القرآن. فالمفسرون ينطلقون من خلفيات متنوعة، سواء كانت لغوية أو تاريخية أو فلسفية، مما يؤدي إلى تباين وتنوع التفسيرات. الأمر الذي يُثري النقاش الفكري، إلا أنه في الوقت ذاته يُعرّض النص إلى تفسيرات قد تكون بعيدة عن معانيه الأصلية. فالتاريخ الفكري للإسلام شهد العديد من المدارس التفسيرية، التي تنوعت بين التفسير بالمأثور القائم على الرواية والنقل، والتفسير بالرأي الذي يعتمد على الاجتهاد العقلي، مما خلق فضاءً واسعًا لاختلاف الرؤى.
علاوة على ذلك، هناك حاجة ملحة إلى استخدام مقاربات جديدة في التفسير، تأخذ بعين الاعتبار التطورات المعاصرة والمشكلات التي تواجه المجتمعات الإسلامية. ففي الوقت الذي كان فيه العلماء في العصور الماضية يتناولون شؤونًا تتعلق بالحياة اليومية، أصبحت القضايا المعاصرة مثل حقوق الإنسان، الديمقراطية، وتحديات العولمة تواجه المسلمين اليوم، وتتطلب مقاربات تفسيرية جديدة تأخذ هذه العناصر بعين الاعتبار. إن الجمود في التفسير وعدم الانفتاح على أدوات تحليلية حديثة يؤدي إلى ابتعاد النص عن سياقه الزمني والاجتماعي، مما يخلق فجوة بين النص القرآني ومتطلبات العصر الحديث.
الأبعاد الثقافية لهذه الأزمة تتجلى في تأثر التفسير بالعوامل المجتمعية والفكرية السائدة، فكل مجتمع يسقط تصوراته وأعرافه على عملية التفسير، مما يؤدي إلى ظهور تأويلات متباينة بحسب البيئات المختلفة. هذا الاختلاف قد يثري الفهم، لكنه في بعض الأحيان قد يؤدي إلى إشكاليات حقيقية عندما يتم فرض تفسير معين على جميع المسلمين دون مراعاة الفروقات الثقافية والاجتماعية بينهم. كما أن التأثيرات الفلسفية والفكرية الوافدة لعبت دورًا في تشكيل بعض التفسيرات، سواء في العصور الإسلامية المبكرة مع تأثر المفسرين بالمناهج الفلسفية اليونانية، أو في العصر الحديث مع محاولات التوفيق بين التفسير الإسلامي والنظريات الحديثة في الفلسفة والعلوم الاجتماعية.
أما الأبعاد الاجتماعية فتتجسد في دور المؤسسات الدينية والعلماء في عملية التفسير، حيث أن التفسيرات التي يتم تقديمها للجمهور غالبًا ما تكون محكومة بالسياقات الاجتماعية والسياسية السائدة. بعض المجتمعات قد تميل إلى تفسيرات محافظة تتناسب مع بنيتها التقليدية، في حين أن مجتمعات أخرى قد تتبنى تفسيرات أكثر انفتاحًا. كما أن انتشار الأمية الدينية وعدم الاطلاع على مناهج التفسير المختلفة يؤدي إلى تقبل التفسيرات دون نقد أو تحليل، مما يعزز من هيمنة اتجاهات معينة على حساب التنوع التفسيري.
أما على الصعيد السياسي، فالتفسير القرآني لم يكن يومًا بمنأى عن التوظيف السياسي، حيث تم استغلاله عبر التاريخ لخدمة أغراض سياسية مختلفة، سواء من قبل الدول أو الحركات الفكرية والسياسية. ففي كثير من الحالات، يتم توظيف النص القرآني لدعم شرعية معينة أو لتبرير قرارات سياسية، مما يجعل عملية التفسير تخضع لضغوط سياسية واجتماعية تحول دون تحقيق الموضوعية المطلوبة. إن هذا التداخل بين السياسي والديني يخلق حالة من الاستقطاب تجعل من الصعب الوصول إلى تفسير موضوعي يتسم بالشمولية والانفتاح.
بناءً على ذلك، فإن تجاوز أزمة التفسير يتطلب إعادة النظر في مناهج التفسير التقليدية، والانفتاح على أدوات تحليلية جديدة تتناسب مع التغيرات المتسارعة في العصر الحديث. كما أن تعزيز الوعي النقدي لدى المسلمين تجاه التفسيرات المختلفة، ودعم الحوار بين المدارس التفسيرية المختلفة، قد يسهم في تقديم فهم أكثر اتساعًا ومرونة للنص القرآني، بما يحقق التوازن بين الأصالة والمعاصرة.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

حزب الاستقلال بمراكش ينفي رفض تزكية عبد العزيز الدريوش ويؤكد غياب أي طلب رسمي

نورالدين بازين        في تفاعل سريع