حين صنّف الحسن الثاني رجالات الاتحاد الوطني: بوعبيد رجل دولة، وابن بركة مهيّج

حين صنّف الحسن الثاني رجالات الاتحاد الوطني: بوعبيد رجل دولة، وابن بركة مهيّج

- ‎فيبلاحدود, في الواجهة
606
0

بقلم: نورالدين بازين

في واحدة من اللحظات الكاشفة في كتاب ذاكرة ملك، الذي ضم حوارات طويلة أجراها الصحفي الفرنسي إيريك لوران مع الملك الراحل الحسن الثاني، تبرز شهادة ملكية ذات حمولة سياسية وتاريخية خاصة، حين سُئل الملك عن رأيه في اثنين من أبرز مؤسسي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية: عبد الرحيم بوعبيد والمهدي بن بركة.

كان سؤال الصحفي مباشراً: “إذا تعلق الأمر بالترتيب، فأين سترتبون السيد بوعبيد وابن بركة، هل في صف الهائجين أو المهيجين أو رجال الدولة؟”
فأجاب الحسن الثاني، دون مواربة:
“بكل صراحة، أضع بوعبيد في فئة رجال الدولة، وابن بركة مع المهيجين.”

بهذا الجواب، يضع العاهل الراحل حدودًا فاصلة بين مسارين متداخلين، ومسافتين داخل تيار وطني معارض، كان لهما فيه دور الريادة. ورغم ما جمع الرجلين من نضال سياسي مشترك في بدايات الاستقلال، فإن نظرة الملك إليهما كانت تميز بين أسلوبين في المعارضة: أحدهما مؤسساتي، قانوني، يُراهن على التراكم، ويمثله عبد الرحيم بوعبيد، والآخر ثوري، تصادمي، عابر للحدود، ويجسده المهدي بن بركة.

وصف الحسن الثاني لعبد الرحيم بوعبيد كرجل دولة لم يكن وليد المجاملة، بل جاء منسجمًا مع علاقة معقدة ميزت الرجلين. فقد كان بوعبيد وزيرًا في أولى حكومات ما بعد الاستقلال، ثم زعيمًا للمعارضة الاشتراكية، وظل رغم ذلك حريصًا على العمل داخل المنظومة، وإن بمواقف حادة في بعض الأحيان، أبرزها موقفه من قضية “الاستفتاء” حول الصحراء سنة 1981، والذي أدخله السجن.

لكن حتى وهو معتقل، لم يجرّد الحسن الثاني بوعبيد من صفة رجل الدولة، وهو اعتراف نادر من ملك تجاه معارض سياسي في وقت كانت فيه البلاد تعيش تحت ظل “سنوات الرصاص”.

أما المهدي بن بركة، فقد رأى فيه الحسن الثاني تجسيدًا لما سمّاه “التهييج”. ورغم أن بن بركة كان من العقول المدبرة لمؤتمر باندونغ، ومن أبرز الوجوه المناهضة للاستعمار، فإن مساره اتخذ منحى دوليًا صداميًا، وجعل منه رمزًا للمعارضة الجذرية. اختفاؤه في ظروف غامضة سنة 1965 سيخلد اسمه في سجل القضايا السياسية العالقة، لكنه في نظر الحسن الثاني لم يكن يمثل خيار “رجال الدولة” بقدر ما كان جزءًا من منطق التصعيد الثوري.

شهادة ملك… مفتاح لفهم التاريخ السياسي المغربي

كلمات الراحل الحسن الثاني لم تكن فقط تقييماً لشخصيتين وازنتين، بل مفتاحًا لفهم تصور الملكية للمعارضة، وحدود التفاوض السياسي في مغرب ما بعد الاستقلال.
كان بوعبيد، في نظر الملك، ذلك السياسي الذي يمكن الاختلاف معه دون أن يُخشى تجاوزه للخطوط الحمراء، بينما كان بن بركة خصمًا مفتوح الاحتمالات، تجاوز الداخل إلى رهانات دولية كبرى.

في الذكرى، تظل تلك الشهادة الموجزة عنوانًا لمرحلة، ولصراع تأرجح بين الدولة والمعارضة، بين الحلم الثوري والتدبير السياسي، بين من ظل في دفاتر المؤسسة، ومن غاب جسده وبقي اسمه صدى في ضمير وطن.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

عبد الإله بن كيران أميناً عاماً لحزب العدالة والتنمية

كلامكم انتُخب عبد الإله بن كيران أميناً عاماً