ما نكاد نصدق أن المغرب تغير حتى يأتينا «تكذيب رسمي» من جهات نافذة في الدولة، يذكرنا بأننا واهمون وأن 20 فبراير والدستور الجديد وحكومة عبد الإله بنكيران مجرد خدع بصرية. لا شيء تغير في المملكة، ولن يتغير شيء، مادام القضاء يبطش بالضعفاء ويرأف بالأقوياء، بالرغم من الوعود التي لم يكف مصطفى الرميد عن التبشير بها و»أوراش الإصلاح» المفتوحة، مازال القضاء مصابا بالحوَل والعدالة تمشي على رأسها، كما يدل على ذلك بوضوح الحكم الذي صدر يوم الجمعة الماضي في حق مهندس مغربي شريف، كل ذنبه أنه فضح «النهب» الذي تتعرض له أموال دافعي الضرائب على يد وزير مالية سابق وخازن المملكة، في إطار ما يعرف بقضية «بّريمات مزوار وبنسودة» أو «عطيني نعطيك»… والله يعطينا وْجوهـُّم نهرسو بها اللوز. بعد مسلسل طويل من التأجيلات، قررت المحكمة أن تدين عبد المجيد الويز وتقضي في حقه بشهرين حبسا موقوف التنفيذ، فقط لأنه تجرأ وكشف أن وزير المالية السابق وخازن المملكة «يتآمران» على المال العام و»يبرّعان» بعضهما البعض بعلاوات غير قانونية، في الوقت الذي مازال فيه المتهمان الحقيقيان يمارسان مهامها دون أية مشكلة، بل إن رئيس الحكومة «كافأ» أحدهما بـ»بّريم» من العيار الثقيل حين جعل منه وزير خارجيته مكان سعد الدين العثماني… «فهم تصطّى» !
حين تفجرت القضية، كل شيء كان يحمل على الاعتقاد بأن نور الدين بنسودة وصلاح الدين مزوار سينتهيان بين ردهات المحاكم، وربما وراء القضبان، لأنهما ليسا أفضل من خالد عليوة وخالد الودغيري وعبد الحنين بنعلو… وغيرهم من المسؤولين الذين طالتهم يد القضاء، خصوصا أن حزب «العدالة والتنمية»، الذي يسيّر الحكومة ويشرف على وزارة العدل، لم يترك القضية تمر دون النيل من خصم سياسي لدود اسمه صلاح الدين مزوار، الذي كانت هوايته «تقطار الشمع» على الحكومة أيام كان متحالفا مع «الأصالة والمعاصرة» في إطار مشروع يهدف إلى محاربة الحزب الإسلامي. ردوا له الصاع صاعين، إذ لم تفوّت الصحافة المقربة من «العدالة والتنمية» مناسبة كي «تحك على الضبرة»، واستبشرنا خيرا حين سمعنا عبد الله بوانو ينقل «الفضيحة» إلى قبة البرلمان. وفي الوقت الذي كان الجميع ينتظر فيه أن يستدعي القاضي مزوار وبنسودة للتحقيق، فوجئنا به «يجرجر» الموظف الشجاع بين ردهات المحاكم قبل أن يدينه ويقضي في حقه بالحبس مع وقت التنفيذ، ضدا على قانون حماية الشهود والمبلغين، في حين أصبح مزوار وزيرا للخارجية، جنبا إلى جنب مع مصطفى الرميد وعبد الإله بنكيران، في «نهاية سوريالية» من الصعب تصديقها! أما نور الدين بنسودة فما زال يشرف على خزينة المملكة كأن شيئا لم يكن، ولا شيء يثبت أنه لم يعد يتقاضى العلاوات غير القانونية التي ظل يتبادلها مع مزوار، مادام الرجل أكبر من القضاء ولا أحد يستطيع مساءلته، بل إن بعض المطلعين يؤكد أن ثمة حسابات في خزينة الدولة لا يعرفها إلا هو، ويرفض أن يطلع عليها وزير المالية ورئيس الحكومة، ما يعني أن بنكيران و»فريق الأحلام» الذي معه يضعان الميزانيات والخطط والاستراتيجيات ويتحدثان عن أرقام النمو والاستثمار… دون أن يعرفا ما عندهما في الخزينة من أموال، وهي قمة العبث السياسي.
المسار الذي أخذته قضية «البّريمات» يثبت لمن عنده شك أن القضاء المغربي مصاب بـ»إعاقة خطيرة» ويحتاج إلى عملية جراحية عاجلة لاستئصال الأجزاء الخبيثة منه، إذا أردنا لهذه البلاد أن تمشي على رجليها لا على رأسها، و»الفضيحة» في النهاية هي «فضيحة» لحزب المصباح قبل كل شيء، لأنه تخلى عن المهندس النزيه و»كافأ» مزوار بمنصب حكومي، رغم أنه يعرف الاتهامات الموجهة إليه. رئيس الحكومة ووزيره في العدل، اللذين يشنفان أسماعنا بخطب رنانة حول «النزاهة» و»ربط المسؤولية بالمحاسبة»، رضيا أن يشتغلا مع المفسدين وسكتا عن إدانة رجل نزيه كل ذنبه أنه فضح من ينهبون المال العام، و»الساكت عن الحق شيطان أخرس» !
المساء