مقصلة الدعم العمومي: هل تجهز قرارات لقجع وبنسعيد على المقاولات الصحفية الصغيرة؟

مقصلة الدعم العمومي: هل تجهز قرارات لقجع وبنسعيد على المقاولات الصحفية الصغيرة؟

- ‎فيإعلام و تعليم, سياسة, في الواجهة
82
0

نورالدين بازين

       مع إعلان القرار المشترك الذي وقّعه وزير الثقافة محمد المهدي بنسعيد ووزير المالية فوزي لقجع، وُضعت المقاولات الصحفية الصغيرة أمام مقصلة قد تقطع حبل استمراريتها في المشهد الإعلامي الوطني. يُقدم القرار على أنه إصلاح، لكنه في الحقيقة يكرّس الإقصاء والتهميش. ما الذي يجعل هذا القرار موضع احتجاج واسع؟ ولماذا اختارت هذه المؤسسات الصحفية مقاطعة الدعم العمومي؟

قرار “المقصلة”: إقصاء بدل الإصلاح

يدّعي القرار أن الهدف هو ترشيد النفقات وتعزيز المهنية في القطاع الإعلامي، لكن صياغته تُظهر تجاهلًا عميقًا لواقع المقاولات الصحفية الصغيرة، التي تعاني أصلًا من صعوبات هيكلية، أبرزها شح الموارد المالية، وغياب سوق إعلاني منصف.

1. معايير تعجيزية

فرض القرار معايير جديدة تجعل من المستحيل على غالبية الصحف الصغيرة الحصول على الدعم، من أبرزها:

  • شروط مالية مثل رفع العتبة الدنيا للمداخيل والموارد الذاتية، وهي أمور لا تتحقق إلا لدى المؤسسات الكبرى.
  • متطلبات إدارية وتقنية تفوق الإمكانيات المتاحة لمعظم الصحف الصغيرة.

2. تغييب الحوار

القرار لم يأتِ نتيجة حوار موسع أو استشارة شاملة مع الفاعلين في القطاع، بل بدا كأنه مفروض من الأعلى. هذا التجاهل يعكس عقلية أحادية في التعامل مع ملف مركزي مثل الإعلام، الذي يُفترض أن يكون جزءًا من النقاش الوطني.

3. دعم يخدم النخبة

  • القرار يوجّه الدعم نحو المؤسسات الكبرى، التي لا تحتاج بالضرورة لهذا الدعم لتستمر في العمل.
  • في المقابل، تُترك الصحف الصغيرة، التي تعتمد على هذا التمويل لتغطية التكاليف الأساسية، لمواجهة مصيرها وحدها.

لماذا وجب مقاطعة الدعم العمومي؟

قرار المقاطعة ليس مجرد موقف احتجاجي عابر، بل خطوة استراتيجية تهدف إلى تسليط الضوء على الإقصاء الممنهج في صياغة السياسات الإعلامية.

1. رفض الإقصاء

الصحافة الصغيرة ليست مجرد مشروع تجاري، بل هي صوت المجتمعات المحلية التي لا تصل قضاياها إلى المنابر الإعلامية الكبرى. إقصاؤها من الدعم يعني إسكات هذه الأصوات وتعزيز مركزية الإعلام.

2. حماية الاستقلالية

الدعم العمومي في صيغته الجديدة لا يحمل ضمانات كافية للحفاظ على استقلالية الصحافة. الشروط المطروحة قد تُحوّل المؤسسات الإعلامية إلى أدوات لترويج أجندات الجهات المانحة، بدلًا من كونها منابر حرة ومستقلة.

3. الحاجة إلى إصلاح جذري

المقاطعة دعوة للحكومة إلى إعادة صياغة الدعم بطريقة تعكس الواقع الحقيقي للقطاع. لا يمكن بناء إصلاح إعلامي بمعزل عن المؤسسات الصحفية المستهدفة بهذا الإصلاح.

دور لقجع وبنسعيد: انصياع أم إقصاء متعمد؟

من الواضح أن قرار الدعم لم يُصغ بالاستناد إلى رؤية شاملة لمستقبل الإعلام الوطني، بل تحت ضغوط مالية أو سياسية تهدف إلى هندسة المشهد الإعلامي بطريقة تُقصي الفاعلين الصغار والمستقلين.

لقجع ووزارة المالية

فوزي لقجع، بصفته وزير المالية، يبدو أنه قد وضع اعتبارات لا يعرفها الأ هو ومن يدور في فلكه فوق كل شيء. لكن هل ترشيد النفقات يمكن أن يبرر تدمير قطاع إعلامي بأكمله؟ ألا تستحق الصحافة الصغيرة نظرة خاصة باعتبارها جزءًا من الأمن الديمقراطي للبلاد؟

بنسعيد ووزارة الثقافة

من جهة أخرى، فإن توقيع محمد المهدي بنسعيد على القرار يُثير تساؤلات حول دوره كحامٍ للمشهد الإعلامي. بدل أن يدافع عن تنوع الصحافة، اختار الانصياع لضغوط(…..) تُفرغ دوره من محتواه.

المشهد الإعلامي تحت التهديد

إذا استمر العمل بالقرار المشترك، فإن المشهد الإعلامي المغربي مهدد بخسارة جزء كبير من تنوعه وديناميكيته.

1. مركزية إعلامية مقلقة

  • احتكار المؤسسات الكبرى للدعم يعني سيطرة الرواية الموحدة، مما يُضعف التعددية الإعلامية.
  • غياب الصحافة الصغيرة سيترك فراغًا في تغطية القضايا المحلية والنقاشات المجتمعية.

2. فقدان الثقة في المؤسسات

  • الشفافية والإنصاف شرطان أساسيان لتعزيز الثقة في الدعم العمومي. غياب هذه القيم يُضعف علاقة الصحافة بالحكومة والمجتمع.

3. انهيار اقتصاد الصحافة الصغيرة

  • معظم المؤسسات الصحفية الصغيرة تُعاني من هشاشة مالية. حرمانها من الدعم يعني دفعها نحو الإفلاس أو الارتهان لتمويلات مشبوهة قد تُهدد استقلاليتها.

الحل: نحو دعم عادل وشامل

1. إصلاح شامل للدعم

  • وضع معايير مرنة تأخذ بعين الاعتبار واقع الصحف الصغيرة وتدعم استمراريتها.
  • تقديم حوافز خاصة للصحافة المحلية والمستقلة التي تغطي قضايا المجتمعات المهمشة.

2. حوار وطني شامل

  • دعوة جميع الأطراف المعنية، من صحفيين وأرباب مقاولات إعلامية وخبراء، للمشاركة في صياغة إصلاح يعكس التحديات الحقيقية للقطاع.

3. تعزيز الشفافية

  • إنشاء آليات واضحة ومعلنة لتوزيع الدعم، تضمن الإنصاف وتعزز الثقة بين الحكومة والقطاع الإعلامي.

الصحافة في مواجهة “المقصلة”

قرار الدعم العمومي بصيغته الحالية يضع مستقبل الصحافة الصغيرة على المحك. إذا استمرت هذه السياسات الإقصائية، فإن المشهد الإعلامي المغربي سيصبح مهددًا بفقدان تنوعه واستقلاليته.

على الحكومة أن تُدرك أن الصحافة ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي رافعة للديمقراطية وصوت للمجتمع. أما إذا استمر نهج “المقصلة”، فإن ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد من التراجع في الحريات الإعلامية، ومزيد من الاحتقان داخل القطاع الصحفي.

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

تعطيل مصالح المواطنين بجماعة تسلطانت بسبب عطب في SWITCH لاستخراج عقود الازدياد

طارق أعراب تعيش جماعة تسلطانت، الواقعة ضمن النفوذ