باريس
– «القدس العربي»: تحول امتناع أبناء الجالية المسلمة عن أكل لحم الخنزير في المقاصف والمطاعم المدرسية إلى وقود لحملة الأحزاب السياسية الفرنسية للانتخابات الإقليمية التي تشهدها البلاد اليوم الأحد بعد إقدام رئيس بلدية على فرض «وجبة موحدة» على جميع الطلاب والتلاميذ في مدارس المدينة التي يرأسها.
واشتعل الجدل بشأن الوجبات المقدمة إلى أبناء الجالية المسلمة دون غيرها بعدما أقدم جيل بلاتريت رئيس بلدية «شالون سور ساون» شرق فرنسا على إصدار قرار يتم بموجبه فرض وجبة موحدة على جميع التلاميذ والطلبة في مقاصف المؤسسات التعليمية في المدينة، وإلغاء وجبات السمك التي كانت تقدم عادة إليهم كلما كان لحم الخنزير وجبة رئيسية أيام الأسبوع.
ودخل الرئيس الفرنسي السابق ورئيس حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني المعارض نيكولا ساركوزي على خط الأزمة حينما قرر صب الزيت على النار عبر إعلان دعمه الكامل لرئيس البلدية اليميني، بل ذهب ساركوزي أبعد من ذلك حينما خير الجالية المسلمة بين القبول بما يقدم من وجبات لأبنائها في المدارس والمؤسسات التعليمية الحكومية أو نقلهم إلى مدارس خاصة إن شاؤوا.
وقال ساركوزي «في مقاصف المدارس العمومية، أنا أعارض ما يسمى الوجبات البديلة حيث اعتمادا على أصل الأطفال وديانة والديه نختار وجبات مختلفة (…)». مضيفا موجها كلامه للجالية المسلمة «إذا كنتم تريدون أن تقدموا لأطفالكم عادات غذائية دينية ما عليكم سوى نقلهم إلى التعليم الخاص أو الديني».
وسارع لورون فوكييز الأمين العام لـحزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» المعروف بأطروحاته ومواقفه المتطرفة والعنصرية إلى مساندة تصريحات ساركوزي حين أعلن عن ضرورة ما أسماه التزام «الصرامة والتشدّد» في ما يخص العلمانية.
وقال «هذا الأمر يثير السؤال عن مدى تفشي الطائفية في الجمهورية فقد بات لدينا شعور أن الطائفية الدينية تتمدد وتتوسع في بلادنا، لذلك يجب علينا أن لا نضع الأيادي في مواجهتها وعلينا محاربتها بكل الوسائل لأننا نحن من يجب أن نتكيف مع الجمهورية وليس الجمهورية هي التي عليها أن تتكيف معنا».
ومعلوم أن الوجبات المقدمة من قبل مقاصف المؤسسات التعليمية الحكومية للتلاميذ في فرنسا ليست مجانية، بل يدفع أولياء الطلبة مقابلا ماديا لكل وجبة يستفيد منها أبناؤهم حيث يتراوح سعر الوجبة الواحدة بين 1 و 5 يورو، بينما تحدد بعض المدن سعر الوجبة لكل تلميذ بالنظر لوضعية أسرته الاجتماعية.
وسارع الكثير من المسلمين إلى سحب أبنائهم من مقاصف المدارس في مدينة «شالون سور ساون» بعد قرار رئيس البلدية المثير للجدل، بينما اختار بعضهم اللجوء إلى المحكمة الإدارية طلبا للإنصاف ولإلغاء قرار الوجبة الموحدة الذي يعتقدون أنه يستهدف أبناءهم وحدهم. وقالت فاطمة بودشيش رئيسة جمعية الدفاع عن حقوق الأقليات لـ «القدس العربي» تعليقا على قرار رئيس البلدية «لقد قررنا توكيل محام باسم جمعيتنا من أجل رفع دعوى قضائية مستعجلة أمام المحكمة الإدارية والمطالبة بإلغاء هذا القرار العنصري الذي يستهدف أبناء المسلمين».
وأضافت «لا يمكن اليوم باسم قيم الجمهورية والديمقراطية ومبادئ الحرية أن نفرض على فئة معينة ماذا ستأكل، أبناء الجالية المسلمة أصلا محرومون من وجبات تتضم لحوما مذبوحة وفق الشريعة الإسلامية ومع ذلك لا يطالبون بذلك كل ما في الأمر أنهم يطلبون وجبة سمك بديلة عن لحم الخنزير وهذا من حقهم».
وبخصوص تصريحات بعض ساسة فرنسا الذين يطالبون الجالية المسلمة بالقبول بالوجبة الموحدة بما في ذلك تلك التي تتضمن لحم الخنزير كنوع من أنواع التكيف مع ما يسمى «قيم الجمهورية» في فرنسا قالت بودشيش «أصلا الدولة لا تمنح وجبات مجانية لأبناء العائلات، وأبناء الجالية المسلمة من حقهم أن يطلبوا ويأكلوا ما يحلوا لهم مادامت عائلاتهم هي التي تدفع كلفة كل وجبة مدرسية ماديا، هذا نوع من الجنون كيف أنا من يدفع ثمن الوجبة والآخر يفرض علي ما يجب أن آكل؟».
ولا يستفيد أبناء الجالية المسلمة في فرنسا حاليا من وجبة تتضمن لحما مذبوحا وفق الشريعة الإسلامية «حلال» حيث تعزف الغالبية منهم عن أكل اللحوم الحمراء والبيضاء غير المذبوحة المقدمة إليها، بينما تلتزم المقاصف المدرسية بتقديم وجبة سمك لأبناء المسلمين واليهود كبديل عن وجبات لحم الخنزير التي تبرمج كل الأسبوع.
وتحولت وجبات المقاصف المدرسية البديلة التي تقدم لأبناء الجالية المسلمة غير الراغبين في أكل لحم الخنزير إلى وقود الحملة الانتخابية للأحزاب السياسية الفرنسية مع توجه الناخبين للإدلاء بأصواتهم في أول انتخابات إقليمية تشهدها البلاد في عهد الرئيس الاشتراكي فرانسوا أولاند.
وبدا حزب ساركوزي الاتحاد من أجل حركة شعبية اليميني وكأنه يصطاد في ملعب حزب مارين لوبان المتطرف «لجبهة الوطنية» التي سارع حزبها إلى مهاجمة وزيرة التعليم الفرنسية من أصل مغربي نجاة فالو بلقاسم ردا على وصفها له بـ «الحزب الذي يدعو للكراهية».
وركز حزب مارين لوبان على أصول وزيرة التعليم المغربية معلنا أن وزيرة التعليم الفرنسية مازالت حتى اليوم تحمل الجنسية المغربية حيث نشر نائب مارين لوبان تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قائلا «نجاة بلقاسم الوزير الفرنسية المغربية تعارض فرض وجبات لحم الخنزير في المدرسة وتؤيد مرافقة الأمهات المحجبات لأبنائهن في الرحلات المدرسية، أنا أتساءل هنا عن ولائها..هي حتما لا تدين بالولاء للجمهورية الفرنسية».
غير أن رد نجاة فالو بلقاسم عن استهدافها من قبل الحزب المتطرف جاء قويا حين قالت «حزب السيدة لوبان لا يحمل مبادئ الجمهورية الفرنسية بل يجمع تحت لوائه كل العنصريين الذين لا يحملون القيم الديمقراطية التي تقوم عليها الجمهورية الفرنسية، بل هو حزب يدعو للكراهية».
وكانت الحكومة الفرنسية أعلنت عن إجراءات جديدة هدفها مساعدة المدارس على مكافحة ما تسميه «التشدد الإسلامي» وتفشي العنصرية ومعاداة السامية وذلك في رد فعل على هجمات دامية قادها متشددون ضد صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة ومحل للأطعمة اليهودية في باريس.
وشملت الاجراءات خطوات على مزيد من التدريب للمدرسين ومزيد من التربية المدنية والأخلاقية في مناهج التعليم العلمانية في البلاد، وجاءت كرد رسمي على شكاوى من عشرات المدارس بشأن تلاميذ مسلمين رفضوا المشاركة في الوقوف دقيقة صمت تكريما للضحايا الذين سقطوا في الثامن من كانون الثاني/يناير في «شارلي إيبدو».
ورغم أن ملايين الفرنسيين شاركوا في مسيرة دفاعا عن حرية التعبير بعد الهجوم الدامي على الصحيفة إلا أن كثيرين من أفراد الجالية المسلمة اعتبروا رسوم الصحيفة المثيرة للجدل مسيئة للرسول الكريم، معبرين عن رفضهم الانضمام إلى حركة «أنا شارلي» التي تهدف للتعبير عن الوحدة الوطنية لاختلافهم مع الخط التحريري للصحيفة الذي يوصف بـ «الاستفزازي».
وتلقت الحكومة الفرنسية سيلا من الانتقادات التي تحملها مسؤولية فشل فرنسا في دمج جاليات المهاجرين من شمال أفريقيا وأماكن أخرى في المجتمع، بينما قال رئيس الوزراء مانويل فالس إن عواقب الهجمات أظهرت أنه يوجد في فرنسا شكل من «العزل الاجتماعي والأخلاقي» متحدثا في الوقت نفسه عن وجود ما أسماها «فاشية إسلامية» في بلاده.
وأضاف فالس «العلمانية يجب مراعاتها في كل مكان لأنه بهذه الطريقة سيصبح الجميع قادرين على العيش في سلام بعضهم مع بعض.»
وبموجب الإجراءات الجديدة سيجري تدريب ألف تربوي لمساعدة المدرسين على الرد على أسئلة الطلاب بشأن التقاليد العلمانية في فرنسا والمواطنة والانتماء مع نظام للإنذار المبكر لتحديد السلوكيات المثيرة للقلق ومعالجتها.
ويعتقد متخصصون أن الإعلام والساسة في فرنسا يساهمون بشكل كبير في ميل بعض أبناء الجالية المسلمة نحو التطرف من خلال تحويل عيشهم وعاداتهم وعباداتهم وطريقة ملبسهم وأكلهم إلى جدل إعلامي وسياسي يسلط عليها الضوء بشكل مبالغ فيه في النقاشات العامة.
تعليق واحد
عبد الله
و لماذا لا يجبرون اليهود أيضا؟ فاليهود أيضا لا يأكلون لحم الخنزير.