“أنا وحدي… نضوي لبلاد”: بين وهم الفردانية وحقيقة العمل الجماعي

“أنا وحدي… نضوي لبلاد”: بين وهم الفردانية وحقيقة العمل الجماعي

- ‎فيرأي, سياسة, في الواجهة
461
6

بقلم: نورالدين بازين

 القادة الأذكياء هم الذين يملكون رؤية شاملة ويدركون أهمية العمل الجماعي في تحقيق الأهداف الكبرى. هؤلاء القادة لا يعتمدون على أنفسهم فحسب، بل يعملون على بناء فرق قوية ويستفيدون من تنوع الآراء والخبرات لتحقيق نتائج أفضل وأكثر استدامة.

في كثير من الأحيان، يُروج لفكرة أن القائد الفرد قادر على قيادة مجتمع بأكمله نحو التنمية والتغيير. لكن وراء هذه الفكرة تكمن معضلة عميقة حول تمركز السلطة والمسؤولية في يد فرد واحد. إن عبارة “أنا وحدي نضوي لبلاد” ليست مجرد تعبير عن الثقة بالنفس أو الطموح الفردي، بل يمكن أن تكون انعكاسًا لفهم مشوه للعمل الجماعي والمشاركة الديمقراطية. في هذا التحليل العميق، سنحاول فك شيفرة هذه العبارة، ونتناول تأثيراتها السياسية، الاقتصادية والاجتماعية.

الفردانية كأيديولوجيا

الفردانية كفكرة فلسفية لها جذور عميقة في الفكر الغربي، حيث كانت تعتبر جزءًا من الليبرالية الكلاسيكية التي تعلي من شأن الحريات الفردية على حساب المجتمع. لكن في السياقات السياسية المعاصرة، يمكن أن تنقلب هذه الفكرة إلى إيديولوجيا تُستخدم لتمجيد دور الفرد الواحد على حساب الجماعة. هنا تبرز تساؤلات حول كيفية تحول الفردانية من كونها وسيلة لتمكين الذات إلى أداة لإقصاء الآخرين وتهميش دور المجتمع في اتخاذ القرارات المصيرية.

و في السياسة، الخطاب الفرداني يتمثل في تسويق القادة كـ”مُخلّصين” أو “منقذين”. هذه الشخصية “الاستثنائية” تأتي دائمًا بوعود فردية بحل الأزمات وقيادة الأمة نحو مستقبل مشرق. لكن الخطر هنا يكمن في تراجع المؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية، حيث يصبح الفرد هو المصدر الوحيد للقرار. هذه المركزية في السلطة تؤدي في كثير من الأحيان إلى تقويض الشفافية والمحاسبة، وإلى بناء أنظمة سياسية غير متوازنة، ما يخلق نظامًا سلطويًا يفتقد للمرونة.

العمل الجماعي: البعد المؤسسي

العبارة “أنا وحدي نضوي لبلاد” تختزل الأدوار الحيوية التي تلعبها المؤسسات في حياة المجتمعات. المؤسسات ليست فقط أدوات تنفيذية للقوانين، لكنها تضمن استمرارية الدولة وتماسكها، بغض النظر عن القادة. إن اختزال التنمية في فرد دون دعم مؤسسي هو مثل بناء بيت على أساس هش؛ قد يبدو متينًا لفترة، لكنه لا يستطيع الصمود أمام الأزمات. العمل الجماعي المؤسسي يعزز من الشرعية ويمنح القرارات قوة وديمومة.

و التشاركية هي روح الديمقراطية. عندما نؤمن بأن فردًا واحدًا قادر على “إضاءة” البلاد، فإننا نتجاهل أهمية الديمقراطية التشاركية التي تعتمد على مساهمة مختلف الأطياف والقطاعات في صنع القرار. في الأنظمة الديمقراطية الناجحة، تعتمد الدول على وجود شبكات معقدة من المؤسسات، المجتمع المدني، القطاع الخاص، والمواطنين أنفسهم للمساهمة في النمو والتنمية. هذه الشراكة بين جميع العناصر هي ما يصنع تقدمًا حقيقيًا.

تأثير الفردانية على الثقافة والمجتمع

في المجتمع المغربي، نجد أن الثقافة التقليدية ترتكز على مفهوم “الزعيم” أو “القائد” الذي يمثل الحكمة والقدرة على اتخاذ القرارات. ولكن مع تطور الزمن وتغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، لم يعد بالإمكان الاعتماد على شخصية فردية لتحقيق التقدم. في المجتمعات الحديثة، يبرز دور الجماعة والمجتمع المدني كشركاء في صياغة المستقبل. إن تعزيز فكرة “القائد الفرد” يعيدنا إلى الوراء ويعزز من ثقافة الاستسلام والتواكل بدلاً من تعزيز المسؤولية الجماعية.

إذا تمعنا في الواقع الاقتصادي، نجد أن الاعتماد على قيادة فردية في المجال الاقتصادي يؤدي إلى تهميش المقاولات الصغرى والمتوسطة التي تعتبر العمود الفقري للاقتصادات المزدهرة. القيادة الفردية تميل إلى التركيز على المشاريع الكبرى التي تظهر نتائج سريعة، لكنها تتجاهل أهمية تطوير بيئة شاملة لدعم الابتكار والمشاريع الصغرى التي تساهم في استدامة الاقتصاد على المدى الطويل.

القيادة: من الفردانية إلى العمل الجماعي

القيادة الناجحة ليست تلك التي تعتمد على شخص واحد لإدارة كافة الأمور، بل تلك التي تُسهم في تمكين الآخرين وتشجيعهم على المشاركة في اتخاذ القرار. هناك أمثلة كثيرة من دول العالم التي تبنت فكرة القيادة التشاركية، حيث أصبحت الحكومات تعتمد على فرق عمل متكاملة، وتوزيع السلطة والصلاحيات بين مختلف المؤسسات لتجنب احتكار القرار في يد واحدة.

فالقادة الأذكياء هم الذين يملكون رؤية شاملة ويدركون أهمية العمل الجماعي في تحقيق الأهداف الكبرى. هؤلاء القادة لا يعتمدون على أنفسهم فحسب، بل يعملون على بناء فرق قوية ويستفيدون من تنوع الآراء والخبرات لتحقيق نتائج أفضل وأكثر استدامة.

إذن “أنا وحدي نضوي لبلاد” ليست مجرد عبارة شعبية، بل هي مبدأ يتحدى قيم العمل الجماعي والمشاركة الديمقراطية. لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة، يجب أن نبتعد عن التمركز حول الفرد الواحد ونتبنى نهجًا تشاركيًا يتضمن جميع مكونات المجتمع. القادة، مهما كانوا موهوبين، لا يمكنهم وحدهم “إضاءة” البلاد؛ فالتقدم الحقيقي هو نتاج جهد جماعي ومنظومة مؤسسية قادرة على الاستمرار والنمو.

 

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

500 عامل(ة) في مهب الريح: هل تتخلى الدولة عن شغيلة شركة سوميا؟

خديجة العروسي تعيش مدينة مراكش على وقع أزمة