بقلم : عبد المنعم الكزان.
في الأساطير القديمة المدونة في رحلات هيرودوت، كان (أطلس) إله المور يُصوَّر بلحته الكثة المجمدة من البرد القارس والثلوج تعلو كتفيه ، بطريقة تشبه البرنوص المغربي في هيبته ووقاره، وكانت ابنته الكريمة (كالبسو)، تستضيف الأبطال والمسافرين، حيث استقبلت البطل الإغريقي (أوليس)صاحب حصان طروادة مزهوا بانتصاره على الطروادين ،لقد تغنى الشعراء الرومان والإغريق بأرض المور وعيون مائها العذب ، وأشادوا ببنات الإله (أطلس ) اللائي أنقذن أصدقاء هرقل من العطش وبطش الإله (بوسيدون ) . كما تحدثوا عن الحمامات الطبية الساخنة، وأشجار الكرم المسقية بقنوات مدينة وليلي، وتمثال باخوس وقوس النصر. كثيرة هي الحكايات التي نُسجت حول علاقة المور بالماء، وكيف يقف أطلس شامخًا بعضلاته لينقذ العالم من سقوط السماء على أجراف (طنجيس).
يعكس هذا الأمر طبيعة التعامل المغربي مع الماء منذ القدم، وكيف نظر القدماء إلى المغرب باعتباره أرضًا لا تنضب. لقد استمر المغاربة في تقديس الماء، بنفس الشكل، من لالا عيشة البحرية إلى سيدي موسى وحتى علال البحراوي. بل، كانت معظم مزارات الأولياء والصلحاء تشيد بالقرب من العيون المائية والأودية أو البحر. إذ هناك العديد من العيون المائية التي تسمى بأسماء الأولياء والصلحاء في شتى مناطق المغرب.
في العصر الوسيط، تناولت العديد من المراجع استراتيجيات المغاربة في تدبير الماء وطرق استفادة منه ، عن طريق بيعه أو شرائه وعقود ملكية تحدد نسبة الاستفادة من الماء، والوثائق الوقفية للآبار. كما تحدثت بعض المراجع عن استراتيجيات تدبير الماء بدءًا من الخزانات والمجاري المائية إلى الخطارات والمطفيات في المناطق الصحراوية.
في المجال العسكري، كان للماء أيضا أهمية كبرى، حيث انتصر المغاربة في الكثير من المعارك ( واد المخازن،واد اللبن مثلا )، وكانت الحروب بين القبائل المغربية تتمحور حول السيطرة على الشعاب والأودية، ونفس الإستراتيجية اعتمدها المقاومون في محاربة الاستعمار بتحويل مجاري مياه المدن.
عندما دق جلالة الملك ناقوس الخطر بشأن مشكلة “الإجهاد المائي” التي تواجه المملكة، و كان ذلك مناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية عشرة. حيث دعا جلالته إلى ضرورة التعامل مع هذه المشكلة بجدية، وتجنب كل أشكال التبذير والاستغلال العشوائي للمياه. إذ أكد جلالته على أن البلاد تعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي، وتمر بمرحلة جفاف صعبة هي الأكثر حدة منذ أكثر من ثلاثة عقود. والجدير بالذكر أن الأمن المائي يشكل أولوية استراتيجية في مختلف المجالات، بدءًا من القطاع الغذائي والاقتصادي وحتى العسكري.
على مدى العقود السابقة، كرست المغرب سياسة بناء السدود والمشاريع المائية الأخرى لمواجهة الشح المائي، لكن التحولات المناخية الأخيرة جعلت الأمر أكثر تعقيدًا. مما أصبح معه من الضروري استمرار البحث عن استراتيجيات جديدة لتدبير الموارد المائية، مع التركيز على الاستدامة والتوزيع العادل والفعال للمياه.لقد عملت الحكومة على تنفيذ استراتيجيات متعددة الأوجه، تتناسب مع المناطق الجغرافية المختلفة في المغرب، وتتبعت طرقًا متنوعة لتحقيق هذا الهدف، مثل تقنيات تحلية مياه البحر، باعتماد الطاقات المتجددة.
في الماضي، أُنشئت أول محطة لتحلية مياه البحر في المغرب عام 1976 في طرفاية جنوب المملكة. الرغم عدم توفر الموارد الطاقية غير المرتبطة بالوقود الأحفوري في ذلك الوقت، إلا أن التحول الاستراتيجي في مجال الطاقة في المغرب حفزه في الاستمرار في هذه الاستراتيجية. فعلى الرغم من وجود 15 محطة لتحلية مياه البحر، فإن الحاجة للمزيد قائمة، خاصةً مع الاستنزاف الكبير للموارد المائية الجوفية وتأثيره على الآبار والأثقاب المائية. كما أن هناك بعض السدود التي أصبحت شائخة نتيجة التوحل، مما يجعل من الضروري اتخاذ استراتيجيات جديدة و مستدامة للتعامل مع هذه الأزمة.
إن نجاح الحكومة في استراتيجية السقي الموضعي وبرامج استعمال المياه العادمة قد أسهم في تحسين جزء من القطاع الفلاحي والبيئي. كما أن ريادة المغرب في مجال الربط البيني من خلال مشاريع مثل الطريق السيار المائي الذي يربط بين حوض سبو وابي رقراق كمثال هي مشاريع أنقدت مدنًا كبيرة.
ومع ذلك، يجب على الحكومة النظر في توجيه جزء كبير من الاستثمارات في مجال الماء نحو المناطق الداخلية، خاصةً في المناطق الجنوبية الشرقية، التي قد تتأثر حتى بمستوى الهجرة في حالة عدم التدخل الفعال في القطاع الفلاحي. والماء
في الختام، يُظهر التعاطي المستمر والمستدام مع مشكلة الماء في المغرب الأهمية الكبيرة التي توليها حكومة تحت إشراف جلالة لهذه القضية. إذ أن عدم التعامل معها بجدية متوازن قد يؤدي إلى الاضطراب في عدة قطاعات، بما في ذلك الكثافة السكانية والهجرة والبيئة وغيرها.