لم تصدق ساكنة منطقة الغرب في أول وهلة خبر سقوط أخطر مجرم روعها في السنين الأخيرة في قبضة رجال الأمن الولائي بالقنيطرة، الأسبوع المنصرم، وظل فضول كبير يتملكها للتأكد من صحة هذه «البشرى»، ولم تطمئن قلوبها، إلا حينما شاهده أفراد جماعة القصيبية، وهو مصفد اليدين، ومحاصرا بعناصر الشرطة وسط غابة موحشة، أثناء قيامه بالكشف عن المكان الذي دفن فيه زوجته فاطمة، التي أزهق روحها منذ ثمان سنوات تقريبا.
معظم دواوير جهة الغرب كانت تحت رحمة عصابة «سبع الغابة»، التي كانت تنفذ عملياتها الإجرامية ببرودة دم، وصلت إلى حد القتل والاختطاف والاحتجاز واغتصاب النساء وسلب أموال المواطنين والسطو على أغراضهم الخاصة باستعمال كل أنواع الأسلحة البيضاء.
تزايد عدد جرائم المتهم الرئيسي واتساع الرقعة الجغرافية لأنشطته غير القانونية دون أن تطاله يد الدرك والأمن، أجبر المواطنين على عدم التبليغ عن ما كانوا يتعرضون له بشكل يومي في الأسواق والطرقات ومسالك الغابات، فلا يكاد يمر يوم واحد دون أن تهتز المنطقة على وقع جريمة من جرائمه البشعة.
ورغم أن الجميع كان يعلم أن «إدريس» هو من يقف وراء تلك الجرائم، إلا أن أحدا لم يجرؤ على التبليغ عنه، ومعظم ضحاياه كانوا يحجمون عن تحرير شكاية ضده مخافة تعرضهم لبطشه من جديد والانتقام منهم، خاصة، وأن الأجهزة الأمنية تركت أمر اعتقاله للصدفة، بعدما سئمت مصالحها البحث عنه في كل مكان دون جدوى.
البداية.. زوجته فاطمة
منذ 8 سنوات تقريبا، نفذ «سبع الغابة» أولى جرائمه البشعة، وكانت أولى ضحاياه زوجته فاطمة، التي فارقت الحياة بعد تعرضها لضرب شديد أزهق روحها في الحال، ليقوم بدفنها بعد ذلك وسط غابة مجاورة. في حين بقي مصير ابنته الصغيرة مجهولا إلى حد الآن.
ورغم أن الشائعات كانت تشير إلى أن الضحية قتلت على يد زوجها، وأن هذا الأخير هو من يقف وراء اختفاء جثتها، إلا أن رجال الدرك عجزوا عن الوصول إلى دلائل وحجج دامغة تؤكد ارتكاب إدريس لهذه الجريمة، ليظل حرا طليقا.
المعلومات المتوفرة حول هذه العملية، والتي كان من شأنها أن تسرع باعتقال الزوج، لم يتم استثمارها جيدا، لاسيما بعد ورود أخبار عن حضور صديقين له لتفاصيل الجريمة، الأول، وافته المنية مؤخرا، في حين ظل الثاني عرضة للابتزاز من قبل الجاني، الذي كان يطالبه باستمرار بمده بمبالغ مالية مقابل عدم توريطه في هذه القضية في حال القبض عليه.
تصريحات أب الضحية
اختلطت دموع الفرح بدموع الحزن لدى أب الضحية، مباشرة بعد إشعاره بالعثور على جثة ابنته التي ظلت مختفية لما يقارب العقد من الزمن، ولم يكن خبر تورط إدريس في مقتلها وتمكن الشرطة من اعتقاله يشكل له شيئا جديدا، لأنه كان متأكدا منذ يوم اختفاء ابنته بأنه الفاعل الأساسي.
التصريحات الصحفية التي أدلى بها الأب، أكدت خطورة أفعال الجاني، إلى درجة أن دواوير منطقة الغرب، خاصة بسيدي يحيى الغرب، كانت تهابه وتخشاه، فبمجرد ما يلمح قاطنوها قدومه، يشرعون في إخلاء المكان والهرولة نحو منازلهم.
تكوين عصابة إجرامية
لجأ إدريس مباشرة بعد قتل زوجته إلى غابة لا تبعد عن مدينة سيدي يحيى الغرب إلا بكيلومترات قليلة، وهناك شيد كوخا، بمعية خليلته، التي ظل يعاشرها معاشرة الأزواج، وأنجب منها طفلة.
شكل المتهم عصابة خطيرة ضمت أصدقاء مقربين منه، وكانت مستعدة لفعل أي شيء مقابل الحصول على المال، ولم تتوان في البطش بكل من حاول عرقلة أنشطتها غير المشروعة أو تبليغ السلطات عن تحركاتها، حيث كان ردها على ذلك وخيما.
وتشير معلومات مؤكدة، أن أحد أعوان السلطة بالمنطقة حاول ذات مرة تقفي أثر أفراد عصابة «سبع الغابة» لتحديد مكان إقامتها، وهو ما فطن إليه إدريس الذي قام بتكبيله وقطع أصابع يديه قبل أن يخلي سبيله وهو في حالة صحية جد
متدهورة.
100 عملية سطو
كانت معظم السرقات التي ارتكبها المشتبه فيه وشركاؤه تستهدف السيارات المحملة بالمخدرات والسلع المهربة، حيث كان الجناة ينصبون سدودا قضائية وهمية، قبل أن يشرعوا في الاعتداء على السائقين والسطو على سياراتهم، وكانوا خلال هذه العمليات يوزعون الأدوار فيما بينهم.
وحسب معطيات هذا الملف، فإن الجناة كانوا يستعملون سيارة داسيا بيضاء اللون، كأنهم يمتهنون النقل السري، ويوهمون الضحايا بإيصالهم إلى الوجهة التي يطلبونها، وبعد امتطاء الزبناء للسيارة يتوجهون بهم إلى أماكن خالية، لاسيما بوسط الغابة، وهناك يعتدون عليهم بالأسلحة البيضاء، ويسلبون ما بحوزتهم.
في التاسع من الشهر الجاري، تعرض «ج ب» سائق سيارة أجرة صغيرة للسرقة بالعنف من قبل مجهولين من العصابة ذاتها، فبعدما امتطيا الطاكسي، طلبا منه إيصالهما إلى حي المنزه، قبل أن يعرضاه للعنف على مستوى الطريق الرابطة بين العصام والفوارات، وسلبا منه سيارته، ثم فرا على متنها إلى وجه غير معروفة.
بعدها بأيام، قامت نفس العصابة التي كانت تستقل سيارة داسيا، بيضاء اللون، باختطاف «م ق» واحتجازه وسرقته تحت التهديد بالسلاح الأبيض والضرب والجرح بواسطته، حيث توجهوا به إلى غابة توجد بالطريق المؤدية إلى مدينة طنجة، وعرضوه للضرب والجرح البليغين، وسرقوا منه مبالغ مالية مهمة وهاتفين نقالين وبطاقة السحب الأوتوماتيكي.
انطلاق التحريات الأمنية
بناء على الأوصاف التي أدلى بها الضحايا، باشرت المصالح الأمنية تحرياتها الميدانية، وانطلق البحث في اتجاه محيط المدينة، حيث ركزت التحقيقات على ذوي السوابق الذين يستعملون النوع المذكور من السيارات.
وكان أول خيط يقود لأفراد هذه العصابة، هو الاعتداء الشنيع الذي تعرضت له «خديجة ر»، في الثاني عشر من شهر مارس الحالي، بغابة توجد بضواحي مدينة سيدي يحيى الغرب، بعدما جرى اختطافها واحتجازها وتعريضها للضرب بواسطة السلاح الأبيض، بتوجيه طعنات غائرة لها على مستوى الرأس واليدين، قبل أن يلوذوا بالفرار، تاركين الضحية مضرجة في دمائها، ليتم نقلها إلى المركب الجهوي الاستشفائي وهي في حالة جد خطيرة.
واستنادا إلى المعطيات التي جرى تجميعها بشأن هذه الواقعة، والأوصاف المدلى بها، استعانت مصالح الأمن الولائي بعدد من المخبرين لتحديد هوية الجناة الذين ثبت أنهم مبحوث عنهم في العديد من القضايا الإجرامية الخطيرة، بينها:
– محاولة القتل والضرب والجرح البليغين بالسلاح الأبيض والاختطاف والاحتجاز والاغتصاب.
– خمس عمليات اغتصاب تحت التهديد بالسلاح الأبيض.
– سرقة مجموعة من السيارات بالطريق العام، تستهدف بالأساس الأشخاص الذين ينقلون المخدرات، تجاوز عددها 100 عملية، حيث يتم تصريف الحمولة للمدعو «ع ز»، والذي يتكلف أيضا ببيع السيارات المسروقة بمنطقة الشمال، مستغلا عدم قيام الضحايا بتحرير شكاية في
الموضوع.
– اقتراف العديد من السرقات بالعنف والنصب.
– إضافة إلى الاشتباه في تورطه في جريمة قتل زوجته وابنته، بعدما أكدت جميع الأبحاث الميدانية، والتصريحات المستقاة من الجيران، تورطه في الجريمتين.
مذكرات بحث
وبعد استكمال جميع الأبحاث تم تحديد الهوية الكاملة للمتهم الرئيسي، وهو «إ ب»، مزداد سنة 1972، بسيدي يحيى الغرب، يقطن بدوار الدواغرة قيادة القصيبية إقليم سيدي سليمان. وسبق لدرك سيدي قاسم أن حرر ضده مذكرة بحث من أجل الاتجار في المخدرات، كما كان مطلوبا من طرف درك القنيطرة في قضية تكوين عصابة إجرامية والسرقة والاغتصاب وسرقة السيارات والضرب والجرح بالسلاح الأبيض.
بلعيد كروم / المساء