بقلم : مريم قرابطي
الان وقد هدأت النفوس وابتعدنا عن عواطفنا وركبنا صهوة جواد العقل يحق لنا ان نطرح مجموعة من الأسئلة نستوحيها من وجودنا بالفعل والقوة في الحراك التعليمي.
هل كانت انتظاراتنا من المعركة واحدة؟
هل كانت اهدافنا متماثلة؟
اكيد لا
ولكن في المقابل اليس هناك مشتركا بين الجميع؟
اكيد نعم
الم تنجح معركتنا الى حد بعيد في إعادة طرح سؤال المدرسة العمومية في صلب وقلب انشغالات ونقاشات الراي العام بميسوريه ومعدميه؟
نعم نجحت بكل تأكيد
الم تنجح معركتنا في طرح سؤال مصير التوظيف العمومي في كل القطاعات من مدخل فرض التعاقد في قطاع التعليم
اكيد كشفت ذلك؟
الم يكن المجتمع على مدى أكثر من ثلاثة أشهر منشغلا بهذه الأسئلة الحارقة والتي طمست على عقود عبر السياسات المتعاقبة في قطاع التعليم والرامية الى خصخصته وبيع خدماته وجعل الأستاذ والمتعلم زبائن يخضعون لقانون السوق والمقاولة؟
الم تنجح معركتنا في طرح سؤال التنظيم النقابي وموقع النقابة داخل النضال الجماهيري الميداني؟
الم تنجح معركتنا أيضا في طرح سؤال ابداع اشكال تنظيمية جديدة وغير كلاسيكية خصوصا في التعبئة والتواصل؟
الم تطرح معركتنا سؤال الديمقراطية الداخلية داخل النقابات وجعلت قرارتها تحت مجهر الجماهير؟
الم تنجح معركتنا في طرح سؤال محدودية النقابات في التأثير والتأطير والقيادة والتمثيلية؟
الم تنجح معركتنا في طرح جدلية العمل النقابي والسياسي موضوع نقاش ومساءلة؟
الم يكن ظهور التنسيقيات تحولا جذريا في الاحتجاج الجماهيري؟
هل التنسيقيات بديلا للعمل النقابي ام رديفا له ام سندا له؟
الم تظهر معركتنا ان التنسيقيات ليست في حاجة إلى “زمن سياسي” أو إيديولوجي، وليست معنية بتوازنات المجتمع، وأنها تتحرك في “الزمن اليومي”، زمن الحاجة والرغبة والنفعية؟
الم تبرز معركتنا ان ما يميز مطالب النقابي عن رغبات التنسيقي: الأول يجمع بين كل المنتمين إلى قطاع بعينه، أما الثاني فلا يستهدف سوى فئة منهم .الأول يميز بين الأفراد، أما الثاني فيجمع بينهم، ؟
الا يحق لنا القول ان من خلاصات معركتنا، هي كما ذهب المفكر سعيد بن كراد “إن التنسيقية، تُسقط زمن الفعل ضمن اللحظة، أي تحدده باعتباره “سلة” (زكي العايدي)، أي كَــمَّا بلا شكل يراكم دون استشراف لمستقبل ممكن الوجود، إنه ليس “مَنْفذا” منفتحا على الآتي. لذلك لن يكون في نهاية الأمر سوى حاصل لحظات مُعادة تتكرر في الأشياء وفي تصوراتنا عنها، وبذلك كانت التنسيقية محرومة من أي أفق سياسي/تحرري يُسهم فيما يجب أن يتحقق ويكون ضمانة على ديمومته في الوقت ذاته. لقد أُعد زمنها “النفعي” لكي يكون حاضنا “للإنسان /الحاضر” (زكي العايدي)، إنسان اللحظة أو إنسان “الحاضر الأبدي “، كما يقول ميشال مافيزولي؟
هل يسعفنا تقييمنا لمعركتنا في القول إن التنسيقي ينزل إلى الشارع مفصولا عن كل سند طبقي، لأنه يتنكر لكل الطبقات، فهو يضع فئة صغيرة بديلا عن المجتمع كله؟
إذا كانت النقابة بالضرورة تتحرك وفق تصور وفق خطة نضالية فيها التكتيكي والاستراتيجي، فيها التصعيد والتهدئة، فيها المناورة فيها الدهاء السياسي وقراءة التناقضات التي تعتمل في الحقل الذي تصارع فيه وتميز بين التناقض الرئيسي والثانوي وتعد خطواتها وكأنها تتحرك فوق بيض النمل، فهل التنسيقيات تستحضر كل تلك القراءات ام انها تقفز على ذلك مصرة على تحقيق مطالب فئتها في الان والهنا.
وقبل الختام ما رايكم أيها السادة الأساتذة في ما ذهب اليه المفكر سعيد بنكراد ؟
إن التنسيقية عابرة في ذاكرة التاريخ، إنها منذوره للقمامة إنها شبيهة بأبطال الرياضة، فهؤلاء لا يُعَمَّرون طويلا في ذاكرة المريدين فلا يذكر التاريخ زعيما لتنسيقية ملأ الدنيا وشغل الناس (كما فعل ذلك نوبير الأموي مثلا). إن التنسيقي يتحرك على هامش “الحلم الإنساني”. لقد كانت النقابة صوتا مناهضا للرأسمالية ولجبروتها، أما التنسيقية فمجرد لحظة عابرة فيها. إنها لا تناهض المستغِل، بل تريد رحمته فقط. لذلك تُولد وتضمحل وتختفي نهائيا، لتحل محلها لحظة أخرى دون أن تبني في التاريخ مَحْكِيا يروي تفاصيل صراع الإنسان ضد الظلم. إنها تُشير إلى سلطة “المحايد”، وهي سلطة لا تتصدى للسلطة المنحازة (لأنها طبقية) بل تعمل على تثبيتها. إنها تقتات من فتاتها دون أن تغير من شرط المحتجين فيها.
الأكيد ان الأسئلة كثيرة ومتعددة والمعركة مليئة بالدروس والعبر وعلى المناضلين الاعتكاف بحثا ودراسة لاستنباط الخلاصات وتجاوز النقائص والاستناد الى الإيجابيات لاستشراف المستقبل من اجل ان نحدد لكل معركة جيشها المناسب وعتادها الضروري قبل خوضها لان الصراع سيرورة ممتدة متواصلة متموجة.
ستبقى هذه التجربة بكل مالها وما عليها نقطة ضوء في سماء العتمة، صوت مدو، حلقة مشرقة في تململ وتطور النضال النقابي برمته قي بلادنا والأكيد انها ستكون تجربة ملهمة لقطاعات أخرى وهو ما يفسر استماتة الدولة في زرع ثقافة التشتيت والتخوين و عدم الثقة بين نساء ورجال التعليم.
ختاما ارفعوا رؤوسهم عاليا فلقد كتبتم ملحمة للأجيال القادمة فاتحين بذلك باب الحلم مشرعا على مدرسة عمومية جيدة ومجانية واكيد ان عدوى نضالكم ستنتقل الى كل القطاعات وسيصبح هذا الحراك التعليمي مرجعا لكل الحركات الاحتجاجية وكلي امل في ان تنتفض مستقبلا الشغيلة التعليمية في القطاع الخاص التي تعيش ظروفا مزرية.