ابراهيم الفتاحي
يروى أن رجلا كان شديد الهم و الغم بسبب انشغاله الكبير بشئون الناس، حتى لقبه أهل القرية “خالي علي بولهموم”، فكلما حدث عارض لأحد صغيرا كان أو كبيرا إلا وجدوه يولول و يقضم أنامله كمدا وحسرة، و يستمر في التفكير بحثا عن حل أكثر من صاحب الهم نفسه، و ذات يوم لم تحدث أي مشكلة تسبب هما “لخالي علي”، فآوى إلى فراشه و هو يحدث نفسه عن هناء يومه و راحته الكبيرة في غياب أي هم أو انزعاج، أجل إنها الليلة الأولى التي سينام فيها “خالي علي” على إيقاع مختلف، لكن ما إن بدأ النوم يغازل عينيه حتى طرقت جارته الباب لتعلمه أن أتانه (أنثى الحمار) المربوطة خارج الدار قد جاءها المخاض، فقام خالي علي محبورا بهذا الخبر مزهوا، فبالاضافة إلى غياب المشكل طول اليوم هاهي ذي فرحة اكتساب جحش، سرعان ما سيكبر ليصير حمارا، تنضاف إلى خلو رأسه من متاعب الناس و مشاكلهم. لكن المفاجأة أن الجحش الوليد كان أبترا لا ذيل له، فأمطرت حالة الجحش هذه وابلا من الهم و الحزن على “خالي علي”، و بدأ يضرب أخماسا في أسداس متسائلا كيف لجحشه المسكين أن يعيش بلا ذيل، و كيف سيقاوم سخرية الأطفال، بل إن المعضلة الكبرى هي كيف سينش الذباب و الحشرات عن جسده. بات خالي علي بدون نوم، و لم تكن ليلته استثناء كما اعتقد في البداية، و هذا هو أصل المثل الشعبي الدارج “لي ما عندو هم كتولدو ليه حمارتو”.
و هذا حالنا اليوم نحن المغاربة، إذ لا تتوقف الهموم من حولنا، فمن الزيادات في الأسعار إلى الفيضانات و انهيارات العمارات و المنازل، إلى الانتخابات ثم تليها المفاوضات و التحالفات، ناهيكم عن المشاكل اليومية الخاصة بنا و بأقاربنا و أصدقائنا، و لما بدأنا نعتادها شيئا فشيئا جاءتنا فضيحة الكراطة العظمى في مركب مولاي عبد الله، و قبل أن نبتلعها جاءنا عيسى حياتو ليسود علينا الرياضة بعقوباته، فمتى تتوقف هذه الهموم؟!! و الذي أستغربه في كثير من الناس هو شدة غمهم و همهم بسبب الانقلاب العسكري في مصر أو بسبب شارلي إيبدو أو أي شيء آخر، بل إن خسارة ريال مدريد أو برشلونة قد يتسببان في أزمة نفسية، مما يدل على أن شخصية خالي علي بولهموم تسكن الانسان المغربي و يتمثلها جيدا في حياته، رغم أننا نتظاهر بالسعادة و نكثر من الضحك، و إن الكثرة من التنكيت و الضحك دليل على غياب الترفيه في حياتنا، أو بالأحرى غياب نفسية مرتاحة، مما يجعلنا نضحك لأسباب تافهة و لمواقف “بايخة”، بل نبالغ في القهقهة حتى يظن من يرانا أننا غاية في السعادة و الحبور، بينما نحن قوم تعساء جدا، و الدليل الإحصاءات العالمية التي وضعتنا في مؤخرة قائمة السعادة لدى الشعوب، و الدليل الأكثر وضوحا على كون شخصية “خالي علي بولهموم” تسكننا هو ما تطالعنا به وسائل الاعلام يوميا من انتحارات و محاولات انتحار، و من جرائم بشعة تطال أقرب المقربين من الأولاد و الوالدين و غيرهم.
انظروا كيف أن الفكاهة لدينا “بايخة” جدا و مع ذلك تحقق ملايين المشاهدات، فبرامج تافهة مثل “رشيد شو” يتتبعه الكثير و يتسمرون أمام التلفاز ليضحكوا من أسئلة “حامضة” و مواقف مقرفة يوضع فيها ضيوف هم أيضا “ماعندهم ما يدار على ما يبدو”، لأنهم لو كانو فعلا مشغولين لما جاءوا إلى برنامج يجيبون فيه عن أسئلة حول خصوصياتهم و حياتهم الشخصية التي لا تعني الناس في شيء، و لذهبوا إلى برامج أخرى للحديث عن إنتاجاتهم و إبداعاتهم كل حسب تخصصه و مجاله، و تحدثوا عن التصورات و الرؤى و البرامج و المقترحات و غيرها.
و أنا أكتب هذه السطور اكتشفت أنني أكثر من يسكنه خالي علي بولهموم من بين كل المغاربة، فمالي و لهموم الناس لأكتب عنها و لدي منها ما يكفي في حياتي الشخصية، و ما شأني أنا و “رشيد شو” و عيسى حياتو و الجرائم و الانتحار، و لماذا لا أهتم بشئوني الخاصة و أنكب عليها، و قد علمنا أفلاطون أن العدالة هي أن ينصرف كل واحد إلى شأنه، “علاش ما ندخل سوق راسي و نتصت لعظامي و نديها فالجيها الضاراني و باراكا عليا من هاذ الفضول الخاوي…”
عزيزي القارئ!!! لا أخفيك سرا أن العنوان الذي يبدو لي مناسبا لما كتبته ليس ما قرأته أعلاه و إنما : “خالي علي بولهموم: ذاك الذي يسكنني” لأن المغاربة بخير و على خير و وحدي أنا من يكتوي بلهيب ما لا يعنيني، “الواحد يديها فراسو و يمشي يحل بعد مشاكلو عاد يشوف عباد الله”.