عن الزلزال.. كأنه العشاء الأخير.

عن الزلزال.. كأنه العشاء الأخير.

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
411
6

بقلم: محمد آيت لعميم

قبل أسبوعين كنت اقضي عطلتي في الرباط ، تواعدت وصديقي الناقد خالد بلقاسم في مقهى متحف الرباط للفنون، تجاذبنا اطراف الحديث في مواضيع شتى ، حتى طلب مني مقالة لمجلة بيت الشعر ،فقلت له لدي نص قوي ترجمته تحت عنوان ” خراب الخراب” اعجب بالعنوان ، واردفت قائلا ، أن المقالة تفتتح بجملة لجاك دريدا يقول فيها: ” في البدء كان الخراب” ، واستمر الحديث فأشرت إلى فكرة عنت لي من خلال المقالة أن الشعر العربي دشن القصيدة بعنصر يحيل إلى الخراب في مقدماته الطللية ، وقلت له سأعيد قراءة هذه المقدمات من خلال هذه البدئية الخرابية، لم أكن أعرف أن هذا الحديث سيتحقق بعد مضي اسبوعين في تلك الليلة الرهيبة ، التي لم يسبق لنا أن عشنا مثلها من قبل ، رغم اننا ادركنا زلزالا في زمن السبعينيات في ايام عيد الاضحى، لكنه لم يكن بهذا العنف والرعب. ليلة الزلزال ، حتى حدود الساعة الحادية عشرة ليلا يوم الجمعة ،8، شتنبر 2023، كانت الأجواء هادئة ، قضيت اليوم في هناء وسرور ، تلك الليلة ، كنت في مقهى اقرأ في كتاب، مع العاشرة والربع ، قمت من المقهى ، وتوجهت إلى منزلنا بحي كاسطور ، عند والدتي، دخلت المنزل وبعد قليل خرجت لاتناول عشائي بمطعم يوجد في الطابق الارضي من منزلنا ، كان الناس متحلقين وجالسين في المطعم، مع ابنائهم ، فرحين والجو كان جميلا، اقتعدت طاولة قرب الرصيف، انتظر عشائي، كان عبارة عن كبد مشوي ، بدات في تناول كبد لذيذ، والجو هادئ وجميل ، لاشيء ينذر بشيء، آخر لقمة ذهبت بها الى فمي ، لا أعرف إلى حدود الآن هل وصلت إلى فمي أم ارجعتها إلى الصحن ، كان هاتفي على الطاولة ، فسمعت صوتا رهيبا اصطكت له اذني ، فاعتقدت أن طائرة ارتطمت ببيتنا ، صوت كأن وحشا اسطوريا انبعث من تحت الارض ، توقف ذهني ، ونهضت مسرعا ، وجدتني في الضفة الاخرى من الشارع ، والتفت وجدت الناس مذهولين ،هناك من بقي في مكانه لايعرف ما يفعل ، بدأت أنظر إلى بيتنا والبيوت المجاورة تهتز وتترنح أدركت أنه الزلزال ، مرت في ذهني أفكار سوداء ، أمي في فراشها تستعد للنوم ، كان معها أخي ، هي اعتقدت أن آلة الغسيل اشتغلت ، أخي عرف أنه الزلزال ،فخطفها وخرج بها مسرعا إلى الخارج ، حين نهضت بدأت ابحث عن مكان منعزل عن البيوت خشيت أن تنهار ، وانا اسرع الخطى على الاسفلت احسست كانني امشي على سجاد متحرك ، كدت افقد توازني، ظل الصوت المرعب يتردد صداه في أذني ، وشعرت كأنني في سكر ، الغريب انني اعتقدت أن الزلزال ضرب بيتنا والمنازل المجاورة ، اتصلت بابنائي وزوجتي، كان الخط مقطوعا، طلبت من أخي أن يوصلني إلى بيتي ، في الطريق رأيت الناس مذعورين يفرون من منازلهم ، اذاك فهمت أن الأمر أصاب الكل ، حين وصلت إلى بيتي في حي سكوما ، وجدت الناس مجمهرين ، وكل يحكي قصته، والرعب الذي أصابه، وجدت بنتي قد خرجتا من المنزل ، زوجتي كانت مع اسرتها في احدى المطاعم ، وقد حكت لي فيما بعد الهول الذي عاشوه اثناء الهزة الارضية العنيقة ، حيث انقطعت الكهرباء والناس تجري في اتجاهات مختلفة وصراخ وهلع للاطفال. كانت ليلة رهيبة ،في ثوان معدودات تغيرت الأمور ، كانت الرجة القوية سببا في رجة نفسية وذهنية ، في تلك الليلة لم نعد قادرين على الدخول الى دفئ المأوى ، تحولت المنازل الى أمكنة معادية ، أحوجتنا الى المبيت في العراء ، من حسن حظي أن بيتي يوجد في ضيعة ، امامه هناك فراغات وشجر ، بدأ ساكنة الحي واناس من احياء أخرى يتقاطرون على هذا المكان باغطيتهم ليفترشوا الارض تحت سماء بلا نجوم، بت الليلة في هذا المكان مع اسرتي ، فضلت ان انام في سيارتي، لم نر النوم تلك الليلة ، لان الهاتف لم يتوقف ابنائي في اوربا كانوا خائفين فباتوا معنا في الهاتف يطمئنون عنا ، كانت الاخبار تأتي تباعا عن طبيعة الزلزال وقوته ، وعن بؤرته في منطقة جبلية ، هي التي تضررت بشكل كبير ، هناك ضحايا وشهداء وجرحى ومصابين كثر ، وانا اتابع لحظات ماخلف الزلزال بكيت على ضحاياه، وبكيت لما شاهدت في فيديو صومعة الكتبية المسجد الموحدي القديم تترنح يمينا وشمالا. ليلة رهيبة ، اسكرتني، فتذكرت الاية ” وترى الناس سكارى وما هم بسكارى”، ليلة جعلتني اتامل في وجود الانسان الذي يعيش على حافة الخطر ، وانشدت في خاطري ” انما الناس سطور كتبت لكن بماء” هناك هشاشة في الوجود ، يمكن ان يطوى في اي لحظة ومن دون انذار . اذا كانت الكوارث في ظاهرها نقم ، فانها يبدو أنها تنطوي على شيء قد يعود بالايجاب ، أعحبني تضامن الشعب ، والجوهر النقي للنفوس التي هبت للانقاذ والمساعدة ، وهذا أمر ايجابي أن يهب الانسان لانقاذ الانسان ، ولابد ايضا من انقاذ الحجر ، في إعادة اعمار للمنازل المتضررة بالمدينة وبالحوز في الجبل بمعايير ضد الزلازل . وبفك العزلة عن المناطق الوعرة في الجبال. وخلاصة القول هانحن في ظرف وجيز عشنا كارثتين ، احداهما الزمتنا البيوت وأخرى أخرجتنا منها ، فبين الحجر والهجر ستتغير نظرتنا للوجود وللعالم وللعلاقات الاجتماعية واستخلاص دروس حقيقية من هذه العلامات القاسية.

Facebook Comments

يمكنك ايضا ان تقرأ

المقاوم الفذ مولاي عبد السلام جبلي يستحضر مراكش زمن الحماية الفرنسية من خلال برنامج دردشة (الجزء الأول)

كلامكم مولاي عبد السلام الجبلي أيقونة فذة من