عن الساحة التي ساحت

عن الساحة التي ساحت

- ‎فيفن و ثقافة, في الواجهة
1486
التعليقات على عن الساحة التي ساحت مغلقة

مريم الأزدي

كثيرة هي الساحات التي تبصم وتميز مدنا عالمية ، باعتبارها فضاء عموميا يمنح مرتاديه على اختلاف مشاربهم متعة ما: تاريخية، فنية، ثقافية، إجتماعية ، روحية ، وجدانية . نذكر هنا على سبيل المثال، الساحة الحمراء في موسكو، ساحة تيانمين في بكين، ساحة سان بيير في روما، ساحة القديس مارك في البندقية وساحة مايو في بوينوس أيريس…ساحات مشذبة ومهذبة ، منظمة و نظيفة ..جميلة وهادئة كأمرأة في الخمسين من مشمشها..تتشبت بماضيها ولا ترضى أن تغير ملامحها كي ترضي العابرين..وأما العابرون فيقدرون تلك الساحات يحترمونها ويبادلونها الود والجمال..فتظل مشعة على مر الفصول، كسمفونية من الزمن الجميل.

ولنا هاهنا في المدينة  الحمراء خجلا، ساحة عجيبة تسخر من كل شيء وتضحك من كل شيء ومن لا شيء..
ونحن نرى ذلك بصمت..
مزاجها كوجهها متقلب أدْمَن على مر العهود  تغيير الفيلترات والماكياج وكأنها تركض خلف نفسها بحثا عن صورة وهوية…لا يمكن أن تثق بها لأنها كشمس الشتاء وقلب مومس..
ونحن نرى ذلك بصمت..
يلتقي فيها العابرون دون موعد سابق ويتفرقون عن بعضهم دون وداع
ألِفتْ أن تدوس على ماضيها وتلقي بذاكرتها في غياهب النسيان الممض..
ونحن نرى ذلك بصمت ..
تُغير جلدها كي ترضي يدا في الأمم اللامتحدة جاءت لترعى الضوضاء وتخرس صوت الحكواتي وزميله المغني
ونحن نرى ذلك بصمت..
يد اختارت أن تفرش أرضية الساحة بموائد الطعام بدل رص الكتب واللوحات وأصص الورد والياسمين..
ونحن نرى ذلك بصمت
يد تدفع المهرولين للتحلق حول هز الأرداف على إيقاع موسيقى صاخبة لا لون ولا طعم لها ولا تطرب غير القردة والثعابين..
ونحن نرى ذلك بصمت..
ساحة متغولة مخيفة، الداخل إليها مفقود، والطالع منها مولود..
ونحن نرى ذلك بصمت..
لِصٌّ لكل سائحيْن وللغافلين نَصابٌ عليمْ..
ونحن نرى ذلك بصمت..
من بائع للصدى، لبائعة للهوى، وتاجر للصورِ ومرشد لِهاويةٍ لَوّاحةٍ للبشر عليها تسعة عشر..
ونحن نرى ذلك بصمت.
أن تنجو بنفسك، أصبح هو التحدي العظيم الذي تمنحك إياه ساحة “جامع الفنا”
وما أدراك ما جامع الفنا:
جِيمُ الجحود
أَلفُ الألم
ميمُ المراثي المنسيات
عَينُ العُهر والعجب العجاب
ألف الأحجيات المنسيات في الدروب
لامُ اللظى وليل بلا فجر
فاءُ فوهة البركان الخامد القادم من صدور المتفرجين الصامتين
نونُ النواح ونار أصائل القيظ
ألف الخجل الأحمر من ساحة تعرت وكشفت عن كلها..
ونحن نرى ذلك بصمت..
من نحن؟
“نحن أهل الجنوب..حفاةُ المدن نروي سيرتكِ
سيقتلنا حبنا..سيقتلنا حزننا”
ونحن نرى ذلك بصمت ، يردد حال لساننا بأسى غامر :
روحي يا مراكش روحي بالسلامة بالسلامة..
القلب اللي كان يبغيك أنا نكويه
مريم الأزدي- يوليوز 2023

يمكنك ايضا ان تقرأ

يوم الريف: الجزائر ولعبة الديك المذبوح في سياق العزلة الإقليمية

نورالدين بازين تشهد منطقة شمال إفريقيا تحولات جيوسياسية