اعتماد سلام
المسرح عشق كبير وهذه المرأة التي رحلت عن دنيانا اليوم كانت تعشقه، بل كانت تقول.. المسرح في دمي!
في أكتوبر من العام 2009 استضفت الفنانة القديرة زينب السمايكي في حلقة من برنامج ‘مسار امرأة’ وفيها حضرت زينب بابتسامتها الجميلة ولهجتها المراكشية الأنيقة، وتحدثت ابنة درب الفران بباب دكالة وسليلة زاوية سيدي بلعباس عن أشياء كثيرة, كاشفة أوراقا عدة من حياتها..
أكتب هذه السطور لأوجه تحية إلى روحها أولا وثانيا ليكتشف كل قاريء أو قارئة من تكون زينب السمايكي التي يظن كثيرون أنها وجه تلفزي فقط، أتت به رياح السيتكومات الرمضانية, والحقيقة أن زينب أكبر من سيتكوم عابر وأكثر موهبة من مشاهد عادية قد يؤديها أي شخص.. ولكن كلنا يعرف أن السيتكومات صارت مؤخرا مقصد عدد من الكبار حتى لا يموتوا جوعا أو يمدوا أيديهم لتسول حقوقهم من المسؤولين.. وذاك حديث ذو شجون!
لنبدأ أولا بزينب الطفلة الشقية والمشاغبة، حكت لي عن طفولتها ودراستها بمعهد الفتيات التابع للتعليم الأصيل، وقالت إنها درست على يد أساتذة من المغرب ومصر وفلسطين وغيرها، وكان من بينهم أستاذ مصري حبب تلميذاته وهي واحدة منهن في الآداب والفنون والشعر أيما حب..
هذا الافتتان بالشعر خصوصا جعلها تصر على حضور أمسية شعرية نادرة أحياها شاعر المرأة نزار قباني بدار البلدية بمراكش في تلك الفترة، وهناك صعدت فوق مجموعة من الكراسي وراء الجماهير الغفيرة لتتسنى لها رؤية شاعرها المفضل.
زينب درست مادتي الفيزياء والكيمياء على يد أستاذة فلسطينية كانت تكره أن تمضغ إحدى تلميذاتها العلكة في حصصها الدراسية, لكن زينب كانت تتعمد ذلك رفقة صديقاتها لتثرن غضب الأستاذة التي لم تكن تتردد في كل مرة في أن تقول لأي واحدة منهن.. ‘بتعملي إيه إنتي يا مجترة’ نقول زينب بابتسامة عريضة!
وصولا إلى أستاذ اللغة العربية سي التباع الذي كان صارما في القواعد والنحو وكان دائما يقف فوق كرسي أو فوق طاولة المكتب خلال الدرس حتى تتسنى له مراقبة جميع التلميذات!
هي مواقف طريفة عاشتها زينب خلال دراستها التي اتسمت بشغب حلو وبجدية كبيرة أيضا لأن الفنانة الراحلة كانت تؤكد دائما.. ‘مع ذلك كنا كنقراو وكنا كنخافو’!
ابنة باب دكالة شغفت بالفن والسينما منذ طفولتها، خصوصا بعد اكتشافها وجود قاعة سينمائية في الحي الذي تقطنه وهذا حظ كبير لا يتوفر في زماننا الذي أغلقت فيه قاعات سينمائية أكثر مما فتحت فيه!
بعد ذلك بدأت زينب السمايكي تشارك بشكل دائم في المخيمات الصيفية والتي كانت تتميز بأنشطة فنية حافلة، وخلال مشاركتها في إحدى المرات في مخيم بمدينة الجديدة التقت خلال ورشة المسرح بالفنان الراحل محمد شهرمان و محمد الوفا الذي أصبح لاحقا سفيرا ثم وزيرا في الحكومة الحالية وكلاهما ينحدر من مدينة مراكش.
قبل انضمامها إلى فرقة شبيبة الحمراء كانت زينب السمايكي قد خاضت تجربة قصيرة مع فرقة الناشئة وكانت مسرحيتها الأولى باللغة العربية الفصحى وحملت عنوان الصورة الحقيقية، ولعبت فيها دور ممرضة.
وشبيبة الحمرا هي الفرقة الأم كما كانت تصفها الراحلة وفيها تعلمت آداب المسرح والإلتزام الذي يجب أن يتوفر الفنان على قدر كبير منه، وتعلمت على يد أساتذة كبار من أمثال الحبيب أبو ريشة وأحمد بن مشيش وعبد الكريم بناني الذي تزوجت به لاحقا وأنجبت منه ابنها الوحيد الطيب.
ولأن الأشياء الجميلة تندثر بسرعة، فإن فرقة شبيبة الحمرا التي عرفت فترة ذهبية في عهد زينب ورفاقها سرعان ما توارت عن الأضواء وخبا وهجها دون أن تتضح أسباب ذلك، وتفرق نجومها وعلى رأسهم مولاي عبد العزيز الطاهري، سيدي محمد الدرهم، مولاي عبد القادر العلوي، مولاي أحمد ابن مشيش، فاطمة ابن الزاوية، مصطفى تاه تاه وغيرهم.
وفيما اعتزل البعض أو انصرف البعض الآخر نحو الكتابة والتأليف، واصلت هي العمل في المجال الفني بثبات وتصميم قائلة ‘معنديش شي حاجة نديرها من غير التمثيل’!
اختيار الراحلة لطريق المسرح والتمثيل لم يكن سهلا خصوصا على المستوى العائلي كباقي زميلاتها الفنانات في تلك الحقبة، بل إن والديها لم يعلما بخبر انضمامها لفرقة مسرحية منذ البداية ولم يكتشفا الأمر إلا في يوم عرض أول مسرحية في مقر البعثة الفرنسية الذي تحول لاحقا إلى المعهد الفرنسي بمراكش.. العرض كان في التاسعة ليلا وهو توقيت لا يسمح لها بمغادرة البيت فيه، فحاولت إقناع والديها لكنهما رفضا، ثم بكت وترجتهما أن يسمحا لها بالذهاب قبل أن يرق لحالها قلب والدها الذي سمح لها بالخروج.. لتذهب ركضا من باب دكالة وحتى مقر البعثة الفرنسية في جيليز حيث مكان العرض.
ومن بين الفرق المسرحية التي بصمت مسار الراحلة أيضا، فرقة الوفا مع سي عبد السلام الشرايبي الذي كان رحمه الله أستاذا وأبا لجميع الفنانين المراكشيين ومثلت معه زينب السمايكي مسرحيات عدة من بينها بقشيش، شوف واسكت، و صداق الحمقة.
ومن بين المسرحيات التي ميزت مسارها أيضا، مسرحية التبوريدة التي ألفها فردوس عبد اللطيف وأخرجها بوزاوي ومسرحية باب المدينة التي ألفها وأخرجها حسن هموش وهما عملان تألقت فيهما زينب السمايكي التي أعجبت بأدائها سيدة المسرح العربي سميحة أيوب عندما شاهدت العرضين خلال مهرجان المسرح بمدينة مكناس وقالت لها: ‘دا إنتي عملتي فيا حالة يازينب’!
مجموعة من الأفلام أيضا شاركت فيها فقيدة المسرح المغربي من بينها علام الخيل والطيور على أشكالها تقع واللجنة، بالإضافة إلى بضع مسلسلات من بينها مسلسل لبس قدك يواتيك لحميد الزوغي.
ولأن الإبداع لا لغة له، فرغم عدم إتقانها للغة الأمازيغية شاركت زينب في فيلم المعلم وهو فيلم أمازيغي أخرجه العبداوي، وفيلم آخر بالأمازيغية أيضا حمل عنوان إيطو تيتريت.
التجربة التي راكمتها الفنانة من وقوفها على الركح طوال سنوات، قادتها إلى خوض مغامرة جديدة تتعلق بالإخراج المسرحي وهكذا أخرجت مسرحية سوق لعجب التي حظيت بعدة تنويهات.
الراحلة اشتغلت أيضا مع فرقة كوميديا وفرقة ورشة إبداع وغيرها، وأسست فرقة مسرحية نسائية حملت اسم عاشقات سبعة رجال وهي تجربة فريدة ضمت بالإضافة إلى زينب، أمال التمار، لطيفة عنكور، سعاد الرتبي وعائشة بواسكة.. لكن التجربة لم تنجح كثيرا لأسباب مادية أولا.
خلال الحلقة التي احتفت بمسار زينب السمايكي اختارت الفنانة الراحلة أغاني أم كلثوم في جميع الفواصل الموسيقية وأخبرتني عن عشقها لكوكب الشرق التي دأبت على الاستماع إليها منذ الصغر عبر الإذاعة المصرية وأسطوانات الفونوغراف، وهو عشق شاطرته إياها والدتها الحاجة طامو التي كانت تعشق صوت الفنان فريد الأطرش أيضا.. لدرجة أنه بعد وفاته جاءت صديقاتها لتقديم التعازي لها ‘وجابوا معهم السكر’ تقول زينب وهي ضاحكة!
خلال كلمتها الأخيرة في البرنامج، قالت أتمنى من جميع الفنانين أن يتحدوا..!
من بين الأغاني التي اختارتها في تلك الحلقة، رائعة أحمد رامي ورياض السنباطي أقبل الليل، وقالت أنا محبة جدا لليل..
ها هو الليل يقبل ولا يجدك في انتظاره يا زينب..
يا لحزنه! يا لحزننا!
الدار البيضاء في 29.01.15