تجديد النخب: “تيكركاس بريكسنين

تجديد النخب: “تيكركاس بريكسنين

- ‎فيرأي
333
0

كانت الجدات حينما كنا صغارا يقصصن علينا حكايات شتى، مثل “حمو أونامير” و “أيتماتن جلالين” و “إيمحاركان” و غيرها، لكن من حين لآخر تتردد بين شفاههن المبتسمة حكاية “تيكركاس بركسينين” و معناها بالدارجة المغربية”الكذوب البايخة”، و فيها يروي كذاب كبير قصة جزء من حياته قائلا: “أحسست بالجوع و أنا في المرعى فتسلقت كرمة ثم نزلت، لم أجد فيها ثمرا أسد به رمقي، لكنني أبصرت “طاجينا” فرميته بحجر فسقط اللحم و تدلت المرقة، فلما أكلت، تحسست ماشيتي فوجدت أن ثمة عجلا مفقودا، فغرزت إبرتي في حافة بئر و وقفت عليها أرنو حتى وجدته، و بينما أنا في حالي تلك أجمع ماشيتي عائدا بها، بلغني خبر ميلاد أبي، فجمعت كيسا من الفول اليابس ليمضغه في انتظار أن تنبت أسنانه، و بينما أنا في طريقي أحسست بالتعب فتأبطت رجلي المتعبتين، و حملت رأسي بين يدي أفليه من القمل حتى بلغت سالما غانما…”

لن يصدق أحد كل هذا الكذب حتى و لو كان مجنونا، لكن الجدات كن يتنزعن بها و بتناقضاتها ضحاكتنا في هجوعنا بين أحضانهن الدافئة قبل أن نخلد للنوم بعيد العشاء، و ما أشبه ما نراه في الأحزاب السياسية المغربية اليوم من طرف قيادييها، فهم أجداد و جدات بعدما بلغوا من الكبر عتيا، يتحدثون عن التشبيب و عن تجديد النخب و تصدح بها حناجرهم، لكن كل ذلك مجرد “كذوب بايخة” و يريدون منا تصديقها، فأفعالهم و محاربتهم لهذه النخب لا هوادة فيها، يناقضون أقوالهم و يقطعون السبل عن الشباب، و كل ذلك في تعارض صريح مع السياسة الملكية الرشيدة و التعليمات الواضحة في العديد من الخطب الملكية و في مناسبات مختلفة، آخرها خطاب جلالته بمناسبة افتتاح السنة التشريعية. إن الفرق بين “تيكركاس بركسنين” و بين كلام وحوش السياسة في الأحزاب المغربية هو أن الجدات كنا يقصدن إضحاكنا بها حتى ننام مبتسمين لتبتعد عنا الكوابيس في أحلامنا، لكن السياسيين يريدون منا تصديقها فعلا، بل و التطبيل لها و حشد الشرعية لها بتصفيقاتنا.
الانتخابات على الأبواب، و لم يعد يفصلنا عنها غير بضعة أشهر، و أصحاب “الشكارة” قد استعدوا لها على ما يبدو، حيث اللقاءات و المشاورات و الاتفاقات قد تم معظمها، و سيجد الشباب و النخب الجديدة أنفسهم من جديد مجرد حطب للعبة محسومة النتائج سلفا، سيجدون أنفسهم ضحايا “الكذوب البايخة” لأن تجديد النخب في الأحزاب لم يتم، و لأن الشيوخ قد رددوا “تيكركاس بريكسنين” للصغار حتى ناموا و استمرت هيمنتهم بسلام. من أجل ذلك، فعلى النخب الجديدة أن يعلموا أن الفرصة سريعة الفلتة، و أن لا حل أمامهم سوى استثمار الوقت القليل المتبقي لانتزاع حقوقهم من الهيئات السياسية أولا، فالتجديد لن يأتي إلا بفرض الشرعية الحزبية قبل الشرعية الانتخابية، و إلا وجدوا أنفسهم يرددون، بعد فوات الأوان، حكاية “تيكركاس بريكسنين”…

‎إضافة تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

يمكنك ايضا ان تقرأ

RADEEMA تعلن عن إغلاق الملحقات التجارية بمراكش يومي الجمعة والسبت