بقلم : البراق شادي عبد السلام
في السادس من نونبر 1992 وفي خطاب للمغفور له صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لإنطلاق المسيرة الخضراء قال جلالته بالحرف مخاطبا شعبه الوفي : “لذا ـ شعبي العـزيـز ـ فإن المسيرة التي أدعوك لخوضها والسير في نهجهـا أريـد وأرجو من اللـه سبحانه وتعالى أن لا تكون لها نهاية . فأبناؤنا وحفدتنا والأجيال التي ستاتي بعدنا لن ترى لها نهاية الى أن يرث الله الأرض ومن عليها . لأن هذه المسيرة عليها أن تستمر إلى أن تنتهي الحياة على الأرض و أن تسير من كمال إلى أكمل ومن حسن إلى أحسن لنتطور يوما بعد يوم، لنكون في مقدمة الركب وليس ملتحقين ” إنتهى خطاب سيدنا .
و كذلك كان …إستطاع الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المجيد إطلاق مسيرة تنموية شاملة بإرادة و إصرار ملكي على النهوض بالأقاليم الجنوبية في جميع المستويات و المجالات خدمة لمشروع إستكمال الإستقلال الوطني و الحفاظ على التراب المقدس للأرض المغربية من طنجة إلى الكويرة بعيدا عن الخطب البرتوكولية المملة و الشعارات الرنانة .
المسيرة الخضراء هي منعطف كبير في تاريخ المغرب العريق و إنتصار للإنسان المغربي ينضاف إلى ملاحم الشعب المغربي الذي إنتصر على هذه الأرض منذ عشرات الآلاف من السنين ، المسيرة الخضراء هو إستمرار لملاحم البناء و التحرير في عهد السلطان مولاي إسماعيل و تثبيت الدولة في عهد السلطان سيدي محمد بن عبد الله و إحياء المخزن الشريف في عهد مولاي الحسن الاول و ثورة الملك و الشعب في عهد الملك محمد الخامس قدس الله سره .
الأقاليم الجنوبية عادت إلى حضن الوطن بفضل تلاحم المؤسسة الملكية القيادة التاريخية لنضال الشعب المغربي بإعتبارها الضامن الأوحد و الوحيد لإستقلالية القرار الوطني و ترسيخ السيادة على التراب الوطني بحدوده التاريخية المتعارف عليها ،لذا فالدفاع و إستعادة و الحفاظ و تنمية أرض الصحراء المغربية المقدسة كان و لازال و سيبقى واجبا مقدسا على كل مغربي و مغربية .
الشعب المغربي العظيم في المسيرة الخضراء المستدامة منذ 47 سنة قدم دروسا في الكفاح السلمي و الإلتزام بالقضية الوطنية و التمسك بالوحدة الترابية و الإنخراط الجدي في المسار التنموي المتجدد.
إستطاع الشعب المغربي العظيم بإلتفافه حول المؤسسة الملكية و بثقته في المؤسسات السيادية للدولة أن يحقق المعجزة الإنسانية و أن يجسدها على الواقع بأوراش تنموية ضخمة و مشاريع مهيكلة مستدامة تحت حماية درع الوطن الجيش المنتصر حيث كانت الأيادي الطاهرة لشرفاء الوطن من أسود القوات المسلحة الملكية المغربية تحمي الأرض والعرض في ملاحم عسكرية خلدها التاريخ بمداد من الذهب، في نفس الآن كانت الإرادة المغربية الصلبة تبني و تعمر و تؤسس المدن و المداشر تحت نيران العدو الغاشم و مؤامرات أذيال الإستعمار لتهزم بشرف و تحدي و تضحية معاول الهدم و الخراب و الدمار .
الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 47 للمسيرة الخضراء المظفرة يندرج في هذا المسار التنموي المتجدد حيث أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله بأن “ترسيخ” مغربية الأقاليم الجنوبية يمر عبر تسريع وتيرة الأوراش التنموية الكبرى و الإلتزام التام بالبرامج المسطرة صيانة لكرامة الإنسان المغربي في كل مكان ، بعد حسم ملف الوحدة الترابية سياسيا و ديبلوماسيا و عسكريا اليوم نحن في مفترق طرق حقيقي للسير قدما من أجل تحويل الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية إلى”حاضنة إستثمارية”بمقاييس عالمية و تتحول بفضله الصحراء المغربية كما أكد جلالته في خطابه السامي إلى “صلة وصل إنسانية وروحية وحضارية واقتصادية، بين المغرب وعمقه الإفريقي.” ..///..
فالنموذج التنموي الخاص بالأقاليم الجنوبية و الطريق الدولي تزنيت – الداخلة و تطوير المعبر الحدودي الدولي الكركرات و بناء العملاق الأطلسي ميناء الداخلة و الربط الكهربائي بالطاقات المتجددة عبر أكبر كابل كهربائي بحري بين الصحراء المغربية و 7 ملايين منزل في المملكة المتحدة و مشاريع بمليارات الدولارات تخصصها ألمانيا للإستثمار في الذهب الأخصر ( الهيدروجين الاخضر) و المشروع العملاق لأنبوب الغاز نيجيريا – المغرب و إنضمام الصحراء المغربية لمبادرة إزدهار إفريقيا الأمريكية و تحول الداخلة لمركز إقليمي للإستثمارات الإمريكية في إفريقيا و المشاريع العملاقة لتحلية ماء البحر في مختلف المدن في الأقاليم الجنوبية كلها مشاريع مهيكلة كبرى تؤكد إصرار جلالة الملك على أن تتحول الصحراء المغربية إلى جسر إنساني و حضاري وإقتصادي كبير بين القارة الإفريقية و أوروبا بواجهة أطلسية منفتحة على مستقبل واعد في السنوات القليلة المقبلة .
الصحراء المغربية شكلت تاريخيا شريانا حضاريا مغربيا مع عمقه الإفريقي و طريقا مباشرا لسياسات أطلسية دامجة .
كما أن نجاح ديبلوماسية القنصليات كنهج ديبلوماسي متكامل أعطى زخما كبيرا للموقف المغربي و أصاب أعداء الوطن بالسعار و الإحباط حيث أن إنخراط أكثر من 30 دولة في فتح ممثلياتها في العيون و الداخلة أنهى الجدال السياسي والقانوني والديبلوماسي العقيم الذي تروجه قوى الشر و الظلام من القتلة و تجار البشر و مجرمي الحروب قادة الميليشيا الإنفصالية و مشغليهم داخل النظام الشمولي العسكرتاري في الأروقة الخلفية و الغرف المظلمة للمنتظم الدولي و القاري.
كما أن مسألة طرد كيان غريب على الإتحاد الإفريقي البيت الجامع للشعوب و الأمم الإفريقية أصبح مجرد إجراءات بروتوكولية ، فساعة الحسم قد إقتربت والميليشيا و قادتها اليوم يتحسسون مقاعدهم لأنهم يدركون أن عملية طردهم من مقرات الإتحاد الإفريقي و هياكله القارية أصبحت مسألة وقت فقط ، فقرار طرد الميليشيا من هذه المؤسسة الإفريقية إتخذ يوم قرر جلالة الملك عودة المملكة المغربية إلى مكانها الطبيعي بين الدول الإفريقة .
اليوم وفود رسمية و برلمانية و شعبية من مختلف دول المعمور تتوافد على الأقاليم الجنوبية لإستكشاف الفرص الإستثمارية بها حيث يشكل عامل الإستقرار و الأمن نقطة إرتكاز أساسية في أي مشروع تنموي ، فالصحراء المغربية تشكل واحة من الأمن و الإزدهار في مجال جغرافي مضطرب يمتد من المحيط الأطلسي غربا إلى البحر الأحمر شرقا .
المشروع العملاق للربط القاري بأنبوب الغاز إفريقيا – الأطلسي كما قال جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه السامي هو ” مشروع من أجل السلام، والاندماج الاقتصادي الإفريقي، والتنمية المشتركة: مشروع من أجل الحاضر، والأجيال القادمة.”
السلام هو أمر واقع تعيشه الأقاليم الجنوبية رغم الحرب الزائفة التي تروجها ميليشيا الوهم و البهتان بتواطئ مع محور الشر الإقليمي الممتد من طهران إلى الجزائر العاصمة في محاولة لزعزعة إستقرار الوطن و خلقة أزمة إقليمية لتعطيل المسار التنموي الرائد فرغم الحرب الإقتصادية القذرة التي تمولها و تنفذها الأيادي البئيسة بإستخدام شركات حقوقية عابرة للقارات من أجل الإضرار بالإقتصاد الوطني و بسمعته الدولية فإن الأقاليم الجنوبية تعرف دينامية إقتصادية غير مسبوقة تؤكدها الأرقام و الحقائق على الأرض بعيدا عن البروباكندا الغبية و الكذب البواح و الأخبار الزائفة للأبواق المأجورة .
تغاضي جلالة الملك محمد السادس عن ذكر ميليشيا البوليساريو الإنفصالية و مشغليها في خطاب ذكرى المسيرة الخضراء :
– أولا هو رسالة إلى الداخل بأن الإلتزام بالنهج التنموي أصبح خيارا إستراتيجيا للمغرب و سبيله الوحيد لتحقيق النهضة الشاملة لكي تحجز الأمة المغربية مكانها الطبيعي مرة أخرى بين القوى العالمية الكبرى .
و هذا لن يتحقق إلا بتوحيد الجبهة الداخلية و الإصطفاف خلف مؤسسات الدولة و الإلتفاف حول العرش العلوي المجيد في معركة البناء و النماء ، فنجاحات المغرب على جميع المستويات تزعج العديد من الدوائر الدولية التي ستحاول تعطيل قطار التنمية المغربي بالمؤامرات و الأكاذيب و التضليل بإستخدام أدواتهم من تجار الأزمات و المواقف الحقوقية و مروجي الفكر العدمي التيئيسي و حلفاءهم من الطابور الخامس العناصر الإنفصالية الفاشلة.
لا يمكن تناول خطاب جلالة الملك اليوم دون العودة لكل الخطب الملكية السامية التي ما فتئت تؤكد بشكل تراكمي على مركزية القضية الوطنية بالنسبة للشعب المغربي و ضرورة اليقظة و الحذر و الإنتباه لمدى المخاطر المحدقة بعدالة قضيتنا في ظل السياسات التوسعية البومدينية للنظام الجزائري و حجم المؤامرات التي تستهدف الأمن القومي المغربي بمفهومه الشمولي.
– ثانيا هي رسالة إلى المنتظم الدولي أن المغرب تحذوه رغبة للبناء و التعمير و تحقيق التنمية وفق أهداف التنمية المستدامة بعيدا عن لغة الحرب و ديبلوماسية البوارج و الخطابات البائدة لدكتاتوريات جمهوريات الموز و التصريحات المستفزة .
اليوم المغرب بنموذجه التنموي المتفرد و برؤيته الإستراتيجية لمغرب الغذ المندمج مع محيطه الإقليمي ينظر إلى فرص السلام المطروحة بأمل و مسؤولية و يلتزم بسياسة اليد الممدودة إلى الجميع من أجل النهوض بآمال و أحلام الشعوب الإفريقية في مواجهة الغطرسة الإستعمارية و عملاءها و أدواتها من الأنظمة الشمولية الفاشلة الغارقة في الأزمات السياسية و الإقتصادية و الغير قادرة على بلورة نموذج تنموي رغم مداخيلها المليارية من الدولارات .
المغرب اليوم تحذوه رغبة جامحة في خدمة القضايا الإقليمية الملحة بروح تضامنية صادقة و بمقاربة تشاركية محورها الإنسان و كرامته ملفات عديدة تعالجها الديبلوماسية المغربية كالتعاون الإقليمي و التنسيق المتعدد الأطراف لخدمة القضايا الإنسانية الطارئة كالهجرة و مكافحة الأوبئة و التغير المناخي و محاربة الإرهاب و التطرف و التكامل الإقتصادي و السياسات الإجتماعية الرشيدة و نشر قيم السلام و العدل و التسامح و الحرية و الديمقراطية بعيدا على أفكار الساتر الحديدي و الفكر الدكتاتوري البومديني الفاشل و سباق التسلح و هدر و تبد ثروات الشعوب في خلق النزاعات و نظرية المؤامرة و العدو الخارجي لتضليل الشعوب و إلهاءها .
الصحراء المغربية هي أمانة على عاتق كل مغربي و مغربية و جوهرة فوق تاج التاريخ المغربي المجيد وجب على الجميع الدفاع عنها و الحفاظ عليها، بدماء الشهداء الأبرار من خيرة رجال الوطن تخضبت أراضيها المقدسة في معركة الكرامة و الشرف و لذلك نحن عليها محسودون كما قال جلالة الملك مبدع المسيرة الخضراء الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه في الذكرى الثالثة للمسيرة الخضراء بتاريخ 6 نونبر 1978 بعبقرية إنسانية و رؤية إستشرافية لن يجود التاريخ بمثلها : ” عليك شعبي العزيز أن تكون الرقيب الشهيد على نفسك طيلة القرون، لأن قضية الصحراء لن تقف عند حدود، فدائما ستبقى محسودا عليها. والأطماع دائما متوجهة نحوها، وستتكون المكائد ضد الصحراء …// وفي القرن المقبل ستظهر المؤامرة في شكل آخر، فعليك شعبي العزيز أن تبقى دائما على يقظة.. دائما مستعدا لخوض المعركة.. دائما مستعدا لاظهار أن مسيرتك الخضراء السلمية، لم تحكم عليك نهائيا بالمسالمة. بل أن قدراتك ومواهبك الحربية والعسكرية موجودة كذلك فيك كامنة فيك، لم تمت، وستبقى الى أن عليها. پرٹ الله الأرض و من عليها “..//