د.محمد المازوني
من أسعده الله بحفظ مجالسة أهل الله ، ويكون من المستمتعين بذكره الحسن، والممتعين بذوق عرفان رجالاتها، فقد ينعم الله عليه ، بحضور مجالس الشريف اللبيب والأديب الموقع، مولاي هشام السعيدي . صوفي بالهمةغهو من نحباء بيت الولاية والصلاح ،المربين الخلق بالهمة؛بطريقتهم مبنية على أن دارهم دار سر لا دار علم ،ومن دخلها فهو آمن. من يجالس مولاي هشام يجد لذة كلام الجزولي ، رجل طيب الكلام، حلو اللسان، يجذبك بلكنتة المغخمة، بطاقته الطروب ، فتؤسر به، شدوها بشخصيته الكارزمتية المبهرة، و بسنت القبول الرباني، الذي منحه إياه الخالق تعالى.
يخطب ببلاغة الفطاحل ، ويبدع تبليغا بأسلوب العظماء من العلماء ، رجل من رجالات الله الواقفين على النهج المستقيم ، مستبطنا ذاته في محبة رب العزة ، وفي حضرته عبداتقيا، في شكرا ولها العاشق المحبه.
لم يكن مولاي هشام إلا تلك الصورة المشرقة لعطاء أجداده من البيت الأمغاري الشريف، جوهرة في عقد متلألأ بتراث روحي التي لم تنقطع عنه الولاية والصلاح منذ البذرة الأولى التي غرسها الجد تلظؤسس، مولاي إسماعيل بن سعيد نهاية القرن الرابع الهجري في تربة صنهاجة وأمور، بذرة أينعت زرعا مباركا، وأعمالا خيرية ، و وعظا ودعوة إلى طريق الهداية ،وتربية وتعليما، من أجل حفظ الدين والذوذ عن حماه ، بل كان الجد المؤسس الترياق المداوي والبلسم الشافي ، لما أصاب صقع صنهاحة من انحراف عن طريق الحق والخروج عن مسلك تعاليم الدين الحنيف ، بفعل آثار نزعات عقدية منحرفة و مؤثرات مذهبية خارجية ، من إمارة برغواطية ، حملت لواء الممناعة وضرب ما حمله الفاتحون من تعاليم الإسلام إلى بلاد المغرب الأقصى، فكان تأسيس رباط تيطنفطر على ساحل بحر الظلمات( المحيط الاطلسي في عرف الجغرافيين القدامى ) رباطا لتصحيح العقيدة الإسلامية والدفاع عن تعاليمها السمحاء، وذلك بالرجوع إلى الأصول السنية على مذهب إمام المدينة ،مالك بن أنس ، من دون تحضر ولا إكراه، ولا تسدد أو تعصب ، بين من كان لسانهم أمازيغي و مداركهم على قدر البساطة، وثرا الشيخ المؤسس الاعتدال في تربية الخلق ، مستندا على سماحة الإسلام في معاملة من خرج عن مسلك الطريق القويم ، من دون تثريب عليهم . فوجدت تعامله تلكم القبول الحسن بين قبيل صنهاجة أزمور، فحصل تعلق به وبما ظهر عليه من مخاييل الولاية ، فكان كبيرهم عبد العزيز بن بطان ، أول مريديه، ومقدما ابنته زوجة له ، تبركا به فأجمع الكل على تقديمه عليهم أمغارا ، أي كبيرهم وأسرهم ، في العلم والنسب والحسب .
لكن الشيخ المؤسس لم يكن سعيه مجرد تربية الخلف وتعليمهم تعاليم الدين الحنيف ، بل كان مقصده جهاديا، حيث جعل رباطه موضع مرابطة ومراقبة ومجاهدة ، واستعدادا لما قد يأتي من بحر الظلمات من أعداء الدين .
فاستوت وظيفة الرباط على قاعدين ، أولهما جهاد داخلي لمن قدمه من أهل صنهاجة.
وثانيهما جهاد استباقي، مما حتم تسوير الرباط العمارة دفاعية، تحصينا لرمزية وحماية ممن يهدده من الحاج، بل كان لتحصينه قصد حماية الوافدين عليه والملتجئين بحماه، من الطلبة وعابري السبيل والفقراء و المحتاجين الفارين من ظلم الولاة، وكل من فر إلى الله من المريدين والمنتسبين لحزبه .
لقد اغترف مولاي هشام من هذا الحوض المبارك ، وشرب من مائه الطاهر ، فحافظ لبيتتة آل أعمار على وراثة الولاية والصلاح، التي وسموا بها من طرفين الزيات في كتابه ” التشوف ” وابن قنفد في كتابه ” أنس الفقير وعز الحقير “، واللذان أجمعت بأن بيت الأمغاريين ، وهو أكبر بيتة في الولاية والصلاح، يتوارثونها كما يتوارث الناس المال. لقد جمع مولاي هشام في شخصه ما تفرق من مناقب وخير الأعمال فروع الأمغاريين الموزعين على تراب المغرب العزيز، من سرقه إلى غربه ، ومن شماله الى جنوبه، بل بامتداداته في أصقاع المشرق. ولقد زاد الشريف مولاي هشام بموهبته الربانية لمحاسن الأمغاريين، سعة العلم بقواعد التصوف السني و بمباحثه المختلفة ، وبقواعد التربية والتمليك، وانخراطه في الدعوة إلى الله وبحبه إلى رسوله الكريم و أهل بيته الكرام، و الدعوة لإمارة المؤمنين، هدياعلى نهج اسلافه في الإلتزام بنصرة الإمامة العظمى والوقوف عند إشارتها .
كما أن المحتفى مولاي هشام لم يكتف بالاغتراف في حوض المدد الصوفي والانتساب لطرق الله السالكة على نهج أسلافه ، بل نذر نفسه لخدمة الوطن لما فيه صلاح العباد ،متمسك بالعروة الوثقى التي ربطت أمير المؤمنين بالدوحة العلوية الشريفة ببيعة الولاية من شيوخ الزوايا والطرق، منافحا على ثوابت الأمة و مدافعا على قواعده الروحية، ومنها السير على نهج مذهب مالك وعقيدة الأشعرية، وعلى طريقة الجنيد السالك ، في تكامل وعون لمن قلده الله أمر المسلمين ومن هو مكلف بإشاعة التربية الروحية والتعليم السليم والرقي الروحي، فوفقه الله بعنايته، في شحن شعلة البيت الأمغاري ، بدعم وإسناد من شيخ الزاوية الشريف المولى زغلول السعيدي، قامت بفضلهما عطاء رجالات هذا البيت الشريف ، الذي احتوى المشهد الصوفي السني لقرابة إحدى عشر قرنا،من ممارسة صوفية معتدلة، قوامها الاعتدال والوسطية، التي على مدارها وفي فلكها تأسس الإسلام الحنيف، دين الإسلام الرفيع .