صدر عن دار نشر كراس المتوحد كتاب جماعي تحت عنوان برينو مرسييه الشاعر الإنساني ويضم دراسات نقدية حول التجربة الشعرية للشاعر السويسري برينو مرسييه. يتناول الفصل الأول تجربة ديوان “آلام دجلة” حيث نعيد اكتشاف آلام دجلة فتظهر بغداد مدينة تطارد اليأس، تتخلص من أنقاضها حتى تشكل حياة جديدة. يتشكل الإحساس في الديوان عبر لغة تجمع بين الإنشاد وتقنية التصوير الفوتوغرافي. يسخر الشاعر من توحش الإنسان وصناعة الموت. ينفتح الشعر على الرسم، يتقابل السلم والحرب وجها لوجه، فيما يتداخل الهنا بالهناك. هذا وقد استطاع الفنان المغربي ضياء الفتيني انجاز حوار خاص مع عمل الشاعر. يتناول الفصل الثاني من الكتاب بلادرس ديوان “الكوغر الغاضب”. يقول جان فرانسوا كليمان في دراسة عنوانها: برينو مرسييه شاعر الخداع: “لا تثير القراءة الإشارية الانتباه إلا إلى ما هو جوهري، أما قراءة أشمل فيمكن أن تكون أكثر اقتحاما واستقصاء للنصوص. لأنه ما هو الشعر في نهاية المطاف ؟ أليس هو انتزاع الكلمات من معانيها أو من خطاباتها التي تفقدها كثيرا من قيمتها. والشاعر هو من يستجلب إكراهات عادة ما تكون غائبة في كتابة النثر.. فهنا تغيب القواعد التقليدية للنظم الشعري الفرنسي . في فصل تحت عنوان، الذات بين الأنا والآخر، اعتبر أيوب مليجي ديوان “فلسطين المغرب” للشاعر السويسري: مذكرات سفر ومشاهدات أجنبي عن مكان آخر. لا يمكننا أن ندرس نصا همه الأساس هو الموضوع دون أن نستند على النقد الموضوعاتي. لا يمكننا أن نفهم النصوص دون تفكيك بنية اشتغالها وذلك بالعودة للمتن من أجل كشفه وتوضيح منظوره، حتى لا نسقط في أحكام اعتباطية لا تمت للنقد بصلة. يتناول القسم الأول من الديوان الموضوع “المغربي” انطلاقا من نظرة غربية. في وصف “حدائق الصويرة” يستحضر الشاعر مشهد بحارة يكحون، فيما بقرة تائهة تأكل قمامة. تتأصل النظرة الإغرابية للمكان وأهله في “قصيدة مرتبة”؛ ثمة تتجلى نظرة دونية للآخر: يجلس فوق كنبة كوين آن محطمة يتأمل بؤس الزبالين. تلك نظرة سائح معقم ضد الآخر؛ نظرة تنطلق من مبدأ أنا قوي وأنت ضعيف، أنت جنوب وأنا شمال. لم يسافر الشاعر لا إلى العراق ولا لغزة. تابع عبر وسائل الإعلام الغربية عملية الرصاص المصبوب كما أخرجتها عدسات الإعلام الغربي… يكتب انطلاقا من منظور غربي؛ نظرة لا تعترف بأن فلسطين أرض محتلة. هكذا تبدو المسافة بين مكان الكتابة –سويسرا- وموضوع الكتابة –غزة- جد كبيرة. ويستخلص “لا يقاس الشعر بموضوعه فقط بل بجودة كتابته وجمال لغته وصوره البلاغية”. وعن آلام دجلة أو الكتابة ضد النسيان كتب محمد ايت لعميم دراسة يقول فيها: ” (…) التقيت بالشاعر السويسري الملتزم برينو مرسييه في مقر منشورات كراس المتوحد بالحي الحسني بمراكش، وبادرته بالسؤال هل زرت العراق إبان الحرب؟ فأجابني بالنفي، فاندهشت، وقلت له ديوانك يوحي بأن كاتبه كان مرابطا في أحدى شوارع بغداد أثناء القصف الجوي، فمن أين لك بهذه الدقة في الوصف الذي لا يتم إلا بالمعاينة والمشاهدة عن قرب ؟ أجاب بأنه وثق الحرب منذ بدايتها إلى نهايتها من خلال الصور الحية التي بثتها القنوات أثناء الحرب، وصور الجرائد وقرأ عدة كتب عن العراق والحرب عليه. واستطاع من هذا الكم الهائل من الوثائق أن يعيد صياغة الحرب من خلال الكلمة والصورة الشعرية وقد تلبس الحرب وتشربها فصارت أحداثها تقع بداخله وتنعش مخيلته الذهنية والبصرية. فمن بين الرهانات التي دفعت برينو مرسييه للكتابة عن العراق في محنته هو حماية الذاكرة من النسيان. ويضيف الناقد في دراسة عن ديوان “مذكرات مسيحي أسلم” : “عودنا الغرب المسلم تقديم رؤى عميقة حول الدين الإسلامي في بعده الحضاري والعقلي والروحاني، واعتقد أن برينو مرسييه، إذا ما انفتح بعمق على التراث الإبداعي الصوفي العربي الإسلامي، فانه لا محالة سيطور تجربته الشعرية عميقا ويقدم نظرات ثاقبة من خلال تأملاته واستعداده لفهم التجربة الدينية في بعدها الإنساني والجمالي”. ويضيف الناقد في حديثه عن الفنان الذي أنجز رسومات الديوان: “تنم تجربة فرساوي في الآونة الأخيرة على وعي عميق بالتجربة، وخصوصا وأننا بدأنا نلمح تعاملا جديدا مع المفردات التشكيلية التي كانت تؤثث لوحاته؛ بدأنا نلاحظ طغيان المادة الصباغية على العلامة الحروفية؛ وأصبحت الحروف في اغلب الأحيان يتعامل معها كمكون تشكيلي وليس زخرفا وتزيينا يضاف الى اللوحة؛ وذلك من خلال تغييب الحرف وتشويشه ومحوه، وتكسيره وبعثرة مكوناته. إذ تم الانتقال من مضمونية الحرف إلى جماليته المجهولة وليست المعطاة”.