جوازات السفر العربية بين القوة الناعمة والخيارات الدبلوماسية… المغرب يرسخ موقعه في خريطة التنقل الدولي

جوازات السفر العربية بين القوة الناعمة والخيارات الدبلوماسية… المغرب يرسخ موقعه في خريطة التنقل الدولي

- ‎فيإقتصاد, في الواجهة
113
التعليقات على جوازات السفر العربية بين القوة الناعمة والخيارات الدبلوماسية… المغرب يرسخ موقعه في خريطة التنقل الدولي مغلقة

طارق أعراب

في سباق القوة الناعمة بين الدول، لم يعد جواز السفر مجرد وثيقة إدارية لعبور الحدود، بل تحوّل إلى مؤشر دقيق على مكانة الدول في النظام الدولي، وعلى مستوى الثقة التي تحظى بها لدى الشركاء الإقليميين والدوليين. وفي السياق العربي، تكشف تصنيفات جوازات السفر عن خريطة غير متجانسة تعكس تباين الخيارات الدبلوماسية، والقدرات الاقتصادية، والاستقرار السياسي، مع بروز الجواز المغربي كحالة لافتة تستحق قراءة خاصة.

تتصدر الإمارات العربية المتحدة المشهد عربيًا، بفضل جواز سفر يُعد من الأقوى عالميًا، نتيجة سياسة خارجية قائمة على الانفتاح الاقتصادي، وتوقيع اتفاقيات إعفاء واسعة من التأشيرات، إلى جانب ثقة دولية عالية في منظومتها الأمنية والمالية. وتأتي في المراتب المتقدمة كذلك قطر والمملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، وهي دول استفادت من ثقلها الطاقي والاستثماري، ومن علاقات استراتيجية متشعبة مع القوى الكبرى، ما منح مواطنيها حرية تنقل واسعة عبر القارات.

غير أن المشهد لا يقتصر على دول الخليج. ففي شمال إفريقيا، يبرز المغرب كنموذج مختلف. فبعيدًا عن الريع النفطي، استطاع الجواز المغربي أن يحقق تقدمًا ملحوظًا داخل التصنيف العربي، معززًا حضوره في عدد مهم من الوجهات التي تسمح بالدخول دون تأشيرة أو عبر تسهيلات مبسطة. هذا التقدم لم يكن وليد الصدفة، بل نتاج دبلوماسية هادئة ومتوازنة، قائمة على تنويع الشراكات، خاصة مع العمق الإفريقي وأمريكا اللاتينية وآسيا، إلى جانب استقرار مؤسساتي جعل من المغرب شريكًا موثوقًا في ملفات الأمن والهجرة والتعاون الاقتصادي.

في المقابل، تظهر موريتانيا في مرتبة متوسطة عربيًا، مستفيدة أساسًا من انفتاحها داخل محيط غرب إفريقيا، وهو ما وسّع عدد الوجهات المتاحة لمواطنيها، بينما تعكس مرتبة الجزائر فجوة واضحة بين الثقل السياسي والموارد الطبيعية من جهة، وقوة جواز السفر من جهة أخرى. ويعزى ذلك إلى تشدد في السياسات القنصلية، خاصة مع أوروبا، وإلى محدودية اتفاقيات الإعفاء من التأشيرة، ما انعكس سلبًا على حرية تنقل المواطن الجزائري.

ويعتمد هذا التصنيف عمومًا على معطيات اتحاد النقل الجوي الدولي، التي تقيس عدد الوجهات التي يمكن دخولها دون تأشيرة مسبقة، سواء عبر الإعفاء الكلي أو التأشيرة عند الوصول أو التصريح الإلكتروني. غير أن هذه الأرقام تخفي خلفها عناصر أعمق، تتعلق بثقة الدول في أنظمة الهجرة، وسلوك المسافرين، والاستقرار الاقتصادي والسياسي.

ضمن هذا السياق، تتجلى خصوصية الجواز المغربي. فبينما تبني دول الخليج قوتها على المال والاستثمار، راكم المغرب نقاطه عبر الزمن، مستندًا إلى سياسة خارجية متزنة، وحضور متنامٍ في إفريقيا، وصورة إيجابية نسبيًا لمواطنيه كمهاجرين قانونيين وسياح. وهو ما يجعل من الجواز المغربي وثيقة تعكس مسار دولة اختارت بناء نفوذها بهدوء، بعيدًا عن الاستعراض، مع تحقيق مكاسب تدريجية في حرية التنقل.

خلاصة القول، إن خريطة جوازات السفر العربية ليست مجرد ترتيب رقمي، بل مرآة لخيارات الدول. وفي هذه الخريطة، يبرز المغرب كحالة استثنائية: دولة بلا نفط، لكنها تمتلك رأسمالًا دبلوماسيًا يتعزز عامًا بعد آخر، ويترجم نفسه في قوة متنامية لجواز سفرها، وفي مكانة متقدمة داخل الفضاء العربي والدولي.

You may also like

تقرير بريطاني: واشنطن تحفّز شركاتها على الاستثمار في المغرب وصحرائه

نهيلة عصمان /صحفية متدربة أكد تقرير بريطاني حديث