نورالدين بازين
تُختصر حالة جزء من السلوك الجزائري الرسمي والشعبي في عبارة دارجة باتت تتردد بقوة: «ولاد بوخروبة ما يلحسو ما يملاسو». عبارة قاسية في لفظها، لكنها تعكس، بالنسبة لكثير من المتابعين، إحساساً متراكماً بأن كل مبادرة حسن نية تُقابل بالجحود، وكل محاولة للتعامل الإيجابي تُجابَه بعجرفة مجانية وعداء غير مبرر.
منذ أن وطئت أقدام بعض الجماهير الجزائرية أرض المغرب لمتابعة كأس إفريقيا، برزت تصرفات لا تمت بصلة لقيم الرياضة ولا لأخلاقيات الضيافة. تصرفات بدت وكأنها انعكاس مباشر لنفسية مأزومة غذّاها إعلام جزائري مريض، جعل من المغرب عدواً دائماً في نشراته، وحوّل كل حدث رياضي إلى معركة سياسية وهمية. هذا الإعلام لم يكتفِ بتشويه صورة بلد جار، بل زرع في أذهان جمهوره شعوراً دائماً بالمظلومية والمؤامرة، حتى صار بعض المشجعين غير قادرين على التفاعل الطبيعي مع أي محيط لا يخضع لهذا الخطاب العدائي.
الأمر لا يقف عند حدود الجمهور، بل يمتد إلى المنتخب الجزائري نفسه، الذي يظهر في المباريات وكأنه يلعب تحت ضغط نفسي ورقابة غير مرئية، مثقلاً بحمولة السياسة أكثر من تركيزه على كرة القدم. أداء مشدود، أعصاب متوترة، وسلوك يوحي بأن اللاعب لم يُترك له هامش اللعب الحر، بل جُرّ إلى تمثيل خطاب يتجاوز الرياضة إلى ما هو أضيق وأثقل.
وفي المقابل، يجد كثير من المغاربة صعوبة في فهم منطق مطالبتهم بمساندة منتخب يمثل دولة تعاديهم سياسياً وإعلامياً في كل المحافل، في وقت لم يروا من شعوب ومنتخبات إفريقية أخرى سوى الاحترام والمودة، كما هو الحال مع السودان وغيره. فالتشجيع، في النهاية، ليس فرضاً أخلاقياً، بل موقف شعوري يرتبط بالاحترام المتبادل.
إن كرة القدم، التي يفترض أن تكون مساحة للفرح والتقارب، تحولت في هذه الحالة إلى كاشف حاد لأزمة أعمق: أزمة إعلام يحرّض، وعقلية لم تتحرر من عقد الماضي، ومنظومة سياسية تُصرّ على تصدير التوتر حتى إلى المدرجات. وبين هذا وذاك، تبقى الحقيقة واضحة لدى كثيرين: من لا يعترف بك، ولا يحترمك، لا يمكنه أن ينتظر منك اعترافاً أو تعاطفاً.