هيئة التحرير
لم يكن حضور وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت لنهائي كأس العرب لكرة القدم بالدوحة، الذي جمع المنتخب المغربي بنظيره الأردني، حدثًا عابرًا أو تفصيلاً بروتوكوليًا عادياً، بل شكل لحظة سياسية محمّلة بالرمزية والدلالات العميقة، خصوصًا وأنه يُسجَّل لأول مرة أن يحضر وزير داخلية مغربي مباراة نهائية من هذا الحجم خارج أرض الوطن.
هذا الحضور غير المسبوق لا يمكن فصله عن التحولات التي يعرفها تدبير الصورة السياسية للدولة، حيث بدا واضحًا أن الرسالة لم تكن موجهة للجماهير الرياضية فقط، بل للداخل السياسي المغربي قبل الخارج. فلطالما ارتبط الظهور في مثل هذه التظاهرات بوزراء محسوبين على أحزاب سياسية، استثمروا في الزخم الشعبي لكرة القدم لبناء حضور رمزي أو انتخابي، في حين ظل وزير الداخلية، بحكم موقعه السيادي، بعيدًا عن هذا النوع من المشاهد الاحتفالية. كسر هذا التقليد يحمل في طياته إعلانًا غير مباشر بأن تمثيل الدولة في اللحظات الرمزية الكبرى لم يعد مجالًا مفتوحًا للمزايدات الحزبية.
وجود لفتيت في مدرجات ملعب بالعاصمة القطرية الدوحة يُقرأ كحضور للدولة بمؤسساتها الصلبة، لا للحكومة كتركيبة حزبية ظرفية. إنها إشارة إلى أن كرة القدم، بما أصبحت تمثله من قوة ناعمة، لم تعد شأنًا رياضيًا صرفًا، بل مجالًا يتقاطع فيه الأمن، والتنظيم، والدبلوماسية، وصورة البلد في الخارج. ومن هذه الزاوية، يظهر وزير الداخلية بوصفه أحد مهندسي هذه الصورة، لا مجرد مسؤول إداري بعيد عن الأضواء.
الرسالة المبطنة لهذا الحضور تتجه أيضًا نحو الأحزاب السياسية التي اعتادت احتكار الفضاءات الاحتفالية الوطنية، وكأن الدولة تقول بوضوح إن لحظات الإجماع الوطني لا ينبغي أن تُستغل سياسيًا، وإن تمثيل المغرب في المحافل الكبرى يخضع لمنطق السيادة والكفاءة المؤسساتية، لا لمنطق الانتماء الحزبي أو البحث عن الشعبية. في هذا السياق، يبدو حضور لفتيت بمثابة إعادة ضبط للحدود بين ما هو حزبي وما هو سيادي.
كما لا يمكن إغفال البعد الدبلوماسي–الأمني لهذه الخطوة، خاصة أن قطر راكمت تجربة عالمية في تنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى، وأن التعاون في مجال الأمن الرياضي أصبح جزءًا من العلاقات بين الدول. حضور وزير الداخلية المغربي في هذا الموعد يبعث برسالة مفادها أن المغرب شريك جاد وموثوق في تأمين التظاهرات الكبرى، وأنه يستعد بثقة للاستحقاقات القارية والدولية المقبلة، ليس فقط رياضيًا، بل تنظيميًا وأمنيًا كذلك.
في المحصلة، لم يكن عبد الوافي لفتيت مجرد مشجع في نهائي كروي، بل كان رمزًا لحضور الدولة المغربية في لحظة فرح جماعي، وحاملًا لرسائل متعددة الاتجاهات: إلى الأحزاب، وإلى الشركاء الدوليين، وإلى الرأي العام. إنه انتقال واضح من سياسة الوجوه الحزبية في المدرجات إلى حضور المؤسسة السيادية، ومن منطق الاستعراض السياسي إلى منطق الدولة الواثقة من نفسها.