عبد الرزاق حمد الله… حين يصبح الهداف ذاكرة وطن، ويتحوّل التتويج العربي إلى بيان كروي مغربي.

عبد الرزاق حمد الله… حين يصبح الهداف ذاكرة وطن، ويتحوّل التتويج العربي إلى بيان كروي مغربي.

- ‎فيرأي, رياضة
3031
التعليقات على عبد الرزاق حمد الله… حين يصبح الهداف ذاكرة وطن، ويتحوّل التتويج العربي إلى بيان كروي مغربي. مغلقة

بقلم :حبيل رشيد.

«… يقول اللاعب السابق تييري هنري، نجم منتخب فرنسا ونادي أرسنال سابقًا: المهاجم العظيم لا يعيش على الهدف فقط، بل يعيش داخل المباراة، يختبئ حين يجب، ويظهر حين يحين الوقت، ويضرب حين يظن الجميع أن الضربة مستحيلة… المهاجم الحقيقي هو من يمنح زملاءه الطمأنينة، ويزرع في قلوب الخصوم الشك، ويُشعر الجماهير أن الهدف قادم حتى قبل أن تُلعب الكرة… لعبتُ في أكبر الملاعب، وواجهتُ أعنف المدافعين، وتعلّمت أن أخطر مهاجم هو الذي لا يبدو مستعجلًا، لكنه يصل دائمًا في اللحظة القاتلة… عبد الرزاق حمد الله من هذا الصنف النادر، مهاجم لا يفاوض الشباك، بل يفرض عليها الاستسلام…»

لم يكن تتويج المنتخب المغربي بكأس العرب مجرد لحظة احتفال عابرة، ولا مجرد صورة جماعية تُعلّق في أرشيف البطولات، بل كان إعلانًا صريحًا عن نضج كرة مغربية تعرف ماذا تريد، وكيف تصل، ومتى تحسم. الفوز على المنتخب الأردني لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة وعي تكتيكي، وانضباط جماعي، وروح تنافسية عالية، غير أن كل هذا البناء كان يحتاج إلى حجر زاوية، إلى لاعب يعرف كيف يختصر المسافات بين الفكرة والتنفيذ، بين السيطرة والحسم. هنا بالضبط، وقف عبد الرزاق حمد الله في قلب المشهد.

عبد الرزاق حمد الله لم يدخل المباراة بوصفه اسمًا ثقيلًا فقط، بل دخلها بوصفه مسؤولية. مهاجم يعرف أن النهائيات لا تُلعب بالأقدام وحدها، بل بالأعصاب، وبالقراءة المسبقة لكل تفصيل صغير. كان يتحرك وكأنه يرى ما لا يراه غيره، يسبق المدافع بخطوة ذهنية، ويصل إلى الكرة بنصف ثانية قبل الجميع. لم يكن حضوره صاخبًا، لكنه كان مؤثرًا، ولم يكن استعراضه لغويًا في الجسد، بل اقتصاديًا في الفعل، وهذه هي علامة الكبار.

في المباراة النهائية، تجلّت قيمة حمد الله لا في لحظة واحدة، بل في مجمل سلوكه داخل الملعب. الضغط العالي حين يجب، التراجع الذكي حين تقتضي الضرورة، فتح المساحات لزملائه، واستنزاف المدافعين عبر تحركات غير مرئية للعين غير الخبيرة. لقد لعب دور المهاجم القائد، لا بالصراخ ولا بالإشارات، بل بالتموضع، وباختيار الحل الأصعب للخصم، والأسهل لفريقه.

المنتخب المغربي بدا متماسكًا، منظمًا، واثقًا، لكن وجود عبد الرزاق حمد الله في الخط الأمامي منح هذا التماسك معنى إضافيًا. لأنه مهاجم لا يكتفي بانتظار الخدمة، بل يشارك في صناعة الإيقاع، يربك النسق الدفاعي، ويجعل الخصم دائمًا في حالة دفاع غير مكتمل. هذه القدرة على تفكيك الدفاعات لا تُدرّس في الأكاديميات، بل تُكتسب عبر التجربة، والخذلان، والعودة القوية، وهو المسار الذي سلكه حمد الله طوال مسيرته.

لقد عرف هذا اللاعب معنى الإقصاء، وطعم الغياب، وقسوة الجدل، لكنه عرف أيضًا كيف يحوّل كل ذلك إلى وقود داخلي. لذلك بدا في كأس العرب لاعبًا متحررًا من الضغوط، متصالحًا مع ذاته، ومندمجًا تمامًا في المشروع الجماعي. لم يلعب لنفسه، ولم يلعب لتلميع اسمه، بل لعب للراية، للهوية، وللفكرة التي تقول إن المغرب يملك مهاجمين من طراز نادر.

الفوز على الأردن لم يكن اختبارًا تقنيًا فقط، بل كان امتحانًا نفسيًا. منتخب منظم، عنيد، لا يمنح المساحات بسهولة، ويجيد غلق العمق. ومع ذلك، استطاع المنتخب المغربي أن يفك هذا القفل بالصبر، وبالقراءة الصحيحة للمباراة، وبوجود لاعب يعرف كيف يتعامل مع الدفاعات المتكتلة. حمد الله كان هذا اللاعب، ليس لأنه سجل فقط، بل لأنه جعل التسجيل احتمالًا دائمًا، وتهديدًا مستمرًا.

في لحظات كثيرة، كان المدافع الأردني مضطرًا للاختيار بين مراقبة حمد الله أو غلق المساحة، وفي الحالتين كان المغرب مستفيدًا. هذه هي قيمة المهاجم الذكي؛ لا يقاس فقط بما يفعله، بل بما يُجبر الخصم على فعله. لقد كان عبد الرزاق حمد الله محورًا غير معلن في الخطة، نقطة جذب وسحب، وميزان اختلال لصالح المنتخب المغربي.

التتويج بكأس العرب لم يكن تتويجًا للقب فقط، بل كان تتويجًا لمسار، ولمجموعة آمنت بنفسها، ولمهاجم أعاد تعريف علاقته بالمنتخب. حمد الله اليوم ليس مجرد هداف، بل رمز لمرحلة جديدة، مرحلة يتقدّم فيها الأداء على الضجيج، والفعالية على الاستعراض، والنتيجة على الجدل.

إن التنويه بعبد الرزاق حمد الله في هذا السياق ليس مجاملة إعلامية، بل قراءة موضوعية لما قدّمه. لاعب حضر في اللحظة المناسبة، ولبس قميص المنتخب بروح المسؤولية، وأثبت أن المهاجم الكبير هو الذي يظهر حين تُطفأ الأضواء، لا حين تُضاء. لقد كتب اسمه في سجل البطولة لا بالحبر فقط، بل بالثقة، وبالهدوء، وبالقدرة على الحسم.

هكذا خرج المغرب بطلًا، وهكذا خرج حمد الله منتصرًا على ذاته قبل خصومه. كأس العرب كانت شاهدًا على أن كرة القدم ليست لعبة أقدام فحسب، بل لعبة عقول، وأن الهداف الحقيقي هو من يفهم هذا الدرس، ويطبّقه في اللحظة التي لا تحتمل الخطأ.

You may also like

إعلان عن انقطاع التيار الكهربائي بالصويرة

إعلان