هيئة التحرير
تشهد عدد من أقاليم وعمالات جهة مراكش آسفي، خلال الأسابيع الأخيرة، تحركات غير مسبوقة لرجال السلطة وأعوانها، تمثلت في تسريع وتيرة هدم بنايات عشوائية شُيّدت خارج الضوابط القانونية، في سباق واضح مع الزمن لتدارك اختلالات عمرانية راكمتها سنوات من التساهل وغضّ الطرف.
هذه التحركات، التي همّت دواوير ومناطق شبه حضرية وهوامش المدن، تأتي في سياق تشديد المصالح الولائية قبضتها على ملف التعمير، وتفعيل تعليمات صارمة ترمي إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، بعد تسجيل تنامٍ مقلق لظاهرة البناء العشوائي، وما يترتب عنها من فوضى عمرانية وتشويه للنسيج الحضري واستنزاف للبنيات التحتية.
ووفق معطيات متطابقة، فإن عدداً من عمال الأقاليم شرعوا فعلياً في تفعيل مبدأ المحاسبة في حق المتورطين في تفشي البناء غير المرخص، من خلال اتخاذ إجراءات تأديبية في حق رجال سلطة ثبت تقصيرهم أو تواطؤهم، حيث تم سحب أختام محاضر التعمير من بعضهم، في خطوة تحمل دلالات قوية على جدية المرحلة.
ولم تقتصر إجراءات المحاسبة على القياد وحدهم، بل طالت أيضاً أعوان سلطة جرى تحميلهم مسؤولية عدم الإخبار والاستخبار بشأن أوراش بناء أُقيمت خلسة، دون ترخيص من المصالح المختصة، وهو ما اعتُبر إخلالاً بالمهام الموكولة إليهم في إطار المراقبة اليومية للمجال الترابي.
ويرى متتبعون للشأن المحلي أن هذا التحرك المتأخر، وإن كان ضرورياً، فإنه يطرح أكثر من علامة استفهام حول أسباب تفشي البناء العشوائي في الأصل، ومدى نجاعة آليات المراقبة السابقة، خاصة في ظل شكايات متكررة عن انتقائية في تطبيق القانون، وغضّ الطرف عن بعض المخالفات مقابل التشدد في حالات أخرى.
في المقابل، يطالب فاعلون مدنيون وحقوقيون بأن لا تتحول حملة الهدم إلى إجراء ظرفي أو ردّ فعل ظرفي لدرء العقوبات الإدارية، بل إلى سياسة عمومية مستدامة تقوم على الوقاية، والتتبع الميداني الصارم، وتبسيط مساطر الترخيص، وضمان عدالة مجالية في تطبيق القانون.
ويبقى ملف البناء العشوائي بجهة مراكش آسفي اختباراً حقيقياً لمدى التزام الإدارة الترابية بمنطق الحكامة الجيدة، وقدرتها على القطع مع ممارسات الماضي، وترسيخ ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة، ليس فقط عبر الهدم والعقاب، بل من خلال معالجة جذرية لأسباب الفوضى العمرانية.